بسم الله الرحمن الرحيم
كيف يمكن طرح وحدة فضائنا الاقليمي، بينما بلداننا تتمزق، ووصلت الصراعات الافقية والعامودية مستويات غاية في الخطورة؟ الجواب بسيط.. فالتمزق الذي نشهده هو دليل قاطع ان الاطارات الوطنية التي احتوتنا لحد الان لم تعد قادرة على الاستمرار.. فالكل يضيق بمساحته وعلاقاته، ويتطلع الى اوضاع جديدة يستطيع بها تحقيق شخصيته وهويته ومصالحه، مما يضعنا امام طريقين.. ١- الانكفاء والذهاب الى اطارات وكيانات اصغر مما نحن عليه، وهذا الخيار سيولد ميتاً، فالعصر الذي نعيشه لا يسمح لاحد بالبقاء ان لم تكن له دوائر واسعة من الارتباطات والمصالح والامتدادات.. ٢- الانفتاح والذهاب الى اطارات وكيانات واسعة تضمن له حسن العيش والتعايش مع شعوب وعقائد مختلفة تجمعها مشتركات عظيمة لا يمكن القفز عليها.. بل ان "داعش" نفسها دليل لقوة فكرة الفضاء الواسع، فاعلنت نفسها في مساحات واسعة تتجاوز العراق والشام، ساعية لتوحيد جهود شعوب عديدة في مشروع واحد، بغض النظر عن بطلانه وضلالته.
لا يمكن للمرء ان يتكهن بكل تفاصيل الفضاء الاقليمي الذي سيجمعنا، وكيف ستتكيف شعوبنا ودولنا الوطنية معه.. لكن ما يجب ان لا يغرب عن رؤى نخبنا ومثقفينا هو ان نستعد لهذا المستقبل، وان نعتبر ان لا بديل لما يجري تحت انظارنا سوى انها مقدمة لبناء اطارات اوسع وارحب من الحالية.. فمعادلات العصر وانجازاته ستفرض نفسها علينا... فنحن نفهم ان يسعى الاخرون لعزلنا، لكننا لا نفهم كيف نسعى نحن لعزل انفسنا، بقناعات مزورة نقنع انفسنا لم ولا تمنحنا سوى المزيد من الضعف والتأخر والتمزق.
دعوتنا هي ان يطرح مثقفونا ونخبنا ومن يفكر بمصالحنا العليا الى مفهوم "الاتحاد المشرقي" او "المتوسطي" او اي فهم اخر.. وندعو له كفضاء سيعرف بالضرورة مستقبلنا، بعد ان ترهقنا وتستهلكنا الخلافات والانقسامات والعصبيات. فلا مصير ولا مستقبل لبلداننا وشعوبنا ان لم تتطور الى ما تطورت اليه البلدان الاوروبية ودول جنوب شرق اسيا او الدول الامريكية، بعد سلسلة من الحروب والانقسامات والصراعات وبكل انواعها القومية والعقائدية والاقتصادية.. فالعالم كله يتجه نحو التنازل عن بعض سيادته الوطنية من اجل بناء فضاءات ومساحات جيوبولتيكية وثقافية واقتصادية ودفاعية.. فضاءات –رغم كل مشاكلها- تحقق له سيادة ارقى ورقي اعلى.
في العراق لدينا مشكلة مياه.. وبدون فضاء اوسع يساعدنا في حل مشكلة المياه سنتعرض لازمات خطيرة قريباً.. والعراق واحد من اكبر احتياطاتالنفط في العالم، وسيحتاج الى خبرات واسواق لن يحصل عليها بدون فضاءات واسعة.. ويعيش العراق مشكلة هويات كالكرد والعرب والتركمان، والمسلمين والمسيحيين، والشيعة والسنة، وغيرهم.. وبدون فضاءات واسعة، سنسير لانفصال وانقسامات مدمرة تبقي التأزم قائماً، بينما ستسمح الفضاءات بتعايش الهويات وتعزيز المصالح المشتركة، بعيداً عن موضوعات الاحتراب والتمزق والمعاداة.
كنت في جلسة مع "الرئيس معصوم" اليوم واعلمني شيئاً كنت اجهله.. وهو ان "اسكتلندا" عندما طالبت باستقلالها عن بريطانيا العظمى، قام الطرفان بتعريف كافة تفاصيل العلاقة المستقبلية بينهما فيما لو نجح الاستفتاء بمنح اسكتلندا استقلالها.