إنّ ما فعله ويفعله أبطال الحشد الشعبي العراقي فاق كل التوقعات والتصورات التي كانت مرسومة له في بداية تشكيله، وكان أكثر المتفائلين لم يتوقع أن يصل الحشد الى ذروة عطاءه وانتصاراته خلال المدة القليلة التي عمل فيها فحقق ما لم يكن يخطر في العقول، لأن الخسارات الكبرى التي مُنيَ به الجيش العراقي المدجج بجميع الأسلحة والمؤلف من مئات الآلاف من المقاتلين المدربين ممن دخلوا معارك كثيرة وكبيرة، وكذلك الهالة الإعلامية التي رافقت تقدم التنظيم التكفيري المسمى داعش، والأساليب الوحشية التي أتبعها مع القوات الأمنية السابقة ومع الناس المتواجدين في المناطق التي تم احتلالها من قبلهم، إضافة الى التضخيم الكبير لقوة تنظيم داعش الذي عبرت عنه الإدارة الامريكية ورئاسة الأركان المركزية وعدد من دول الغرب التي شاركت في احتلال العراق حين صرحوا ان قتال تنظيم داعش والإنتصار عليه يتطلب عشرات السنين ويحتاج الى تضحيات كبيرة جداً. وبطبيعة الحال فان نصف المعركة هو إعلامي قَبْلي ومن ثم يتحول الى بَعْدي، وكما ورد عن أمير المؤمنين ما مضمونه ان كل من نازلني أعانني على نفسه باعتبار أنّ من ينازل عليّ بن أبي طالب يعلم انه مقتول لا محالة ولا يتوقع النصر إطلاقاً ، ومع الفارق الكبير والأمثال تضرب ولا تقاس فان معنويات الجيش الكبير المقاتل الذي دخل الحروب العديدة لم تسعفه في مقاومة تنظيم داعش الإرهابي بفعل الدعايات الإعلامية والإشاعات فضلاً عن تخبّط القيادة العامة للقوات المسلحة وخيانة أغلب ضباط الجيش وقادة الكتل السياسية وغيرهم.
جاءت فصائل الحشد الشعبي لتكسر كل أنواع الخوف وتخالف كل التوقعات وتضرب عرض الحائط أنواع التحليلات السياسية التي كانت تراهن على عدم تحملها شدة المعارك وعدم قدرتها على المضي الى نهاية الطريق، واستطاعت تلك الفصائل الجهادية بكافة مسمياتها ان تجعل الانتصار حليفها الدائم فهي التي تدرّعت بحب أمير المؤمنين، وقامت بفتوى المرجعية الدينية، وتسلحت بدعاء الأمهات العراقيات الصابرات المجاهدات.
لقد شكّل إنطلاق الفصائل لقتال التنظيم الداعشي إنعطافة كبيرة في مسار العمليات العسكرية والأمنية بعد الهزيمة التاريخية التي سببت احتلال محافظات كاملة من قبل عصابات ارهابية، إنها انتفاضة شعبية في لحظة تاريخية حرجة ومصيرية فأما ان نكون أو لا نكون، وتمت الاستجابة لنداء المرجعية الدينية التي عل مت بحنكتها وأبوتها أن لا خلاص من الارهاب الا بمشاركة أبناء الشعب العراقي الغيور في القتال بعد ان نخر الفساد جسد المؤسسة الامنية بالكامل، فكانت فتوى الجهاد الكفائي التي قلبت الطاولة على الأشرار والفجار وطوارق الليل والنهار من الدواعش والغرب الكافر الذي أسسهم ودربهم وأعطاهم الضوء الاخضر للقيام بهجومهم الكبير ضد محافظات غرب العراق وشماله.
لقد ضخّت فصائل الحشد دماء جديدة كانت محور الإنعطافة القوية التي انعكست على التغيرات التي شهدتها أحداث الحرب على الإرهاب إبتداءً من جرف النصر (الصخر) إلى آمرلي وبيجي وتكريت وأخيراً وليس آخراً الفلوجة معقل الإرهاب والإرهابيين .
لقد كان لفصائل الحشد الشعبي الفضل الكبير في عودة القوات الأمنية – المنكسرة – الى القتال مرة أخرى، وبروح معنوية عالية فتغيرت موازين القوى لصالحها، فكان دخول الحشد أرض المعركة فاصلة تاريخية بين حالتين من النكوص والاستجابة القوية حققت معها قواتنا والحشد الشعبي انتصارات باهرة وكبيرة يمكن ان نسميها اسطورية .
كما ساد الفرح والطمأنينة أفراد الشعب العراقي جميعاً بأن جيلاً عراقياً خالصاً ومخلصاً للدين والوطن يعمل بتفانٍ عال، وروح تضحوية، وإرادات صلبة, وإيمان متماسك، لا مثيل لها في العالم أجمع، وعلى الرغم من سقوط شباب بعمر الزهور، وشيوخ كبار كأنهم أصحاب الامام الحسين في البذل والعطاء والشجاعة والإباء، إلا انّ ما يعزينا ويواسينا انهم شهداء كرام على طريق التحرر والخلاص من الفكر المتطرف والإرهاب الأعمى الذي يريد عودة الخلافة الأموية السفيانية.
وإضافة الى الملاحم التي سطرتها الفصائل في الشجاعة والبطولة والصبر والإيمان بالله تعالى وقضائه وقدره، فأنها سطرت ملاحم أخرى تندرج ضمن أساطير الفرسان الاوائل وهي الأخلاق والتعامل بالروح الأبوية والأخوية مع سكان المناطق المحررة، إذ شاهدنا عند تحرير بعض المناطق وخصوصاً جرف النصر وآمرلي أفعال وأعمال تنمُّ عن مدى تخلّق شباب الحشد بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله في التعامل مع الاسرى، على الرغم من وحشية أفعالهم تجاه مقاتلينا - وكل إناء بالذي فيه ينضحُ – فهم ينضحون أخلاق معاوية والحشد الشعبي تعلموا في مدرسة أمير المؤمنين عليه السلام، وقد شاهدنا نماذج رائعة من أخلاق الفرسان، فهذا مقاتل يسقي أحد الدواعش بيده متناسياً ما فعلوا هم بأبنائنا في سبايكر والصقلاوية وغيرها، وذاك يتوجه الى الصلاة اثناء القتال غير آبه بالصواريخ والنار والموت، إضافة الى التعامل الطيب للمقاتلين مع العوائل والأشخاص الذين كانوا محاصرين بالمنطقة بسبب سيطرة عناصر "داعش", فرأينا أفراداً من الحشد الشعبي بفصائلهم المتنوعة وهم يحملون رجلاً مسناً أو يمسحون عن وجه طفلة صغيرة مرعوبة دموعها الحارة الخائفة, مثلما شاهدنا تقديمهم الطعام والماء لهؤلاء المحاصرين.
ان التاريخ سيكتب في صفحات من ذهب ولؤلؤ ومرجان بطولات اسطورية وأخلاق محمدية علوية حسينية، وستقرأ الأجيال القادمة أنّ العام ( ١٤٣٦هـ- ٢٠١٥م ) كان عام الحشد الشعبي المقدس.