هناك من يقول يجب تأجيل اي حل انتظاراً لظروف افضل لتحسم الامور الحقوقية والسيادية من مواقع القوة.. وهناك من يقول بان المشاكل مع دول الجوار -ومهما كان حجمها- يجب ان تبقى محكومة بالحكمة والاخوة والمصالح المشتركة، وان لا ترقى الى الخلافات التصادمية وتعطيل العلاقات باي شكل من الاشكال.. وان حجم المصالح، التي نجمدها ونعلقها، من الضخامة والسعة بحيث تتجاوز اية مشكلة مؤجلة. فالتحرك مع التيارات الايجابية منهج لاحتواء المشاكل والسلبيات.. والبقاء عند الخلافات والنزاعات سيزيدها ويراكمها، بدل ان يحلها. واذا ما احتسب الطرفان الخسائر التي تكبدها بشرياً ومادياً وسيادياً والفرص الضائعة، سيجد كم هو عقيم ومكلف منطق التصادم والتشنج وعدم حل الملفات، بما يحقق المصالح العليا الانية والمستقبلية.
لا يوجد بين الاشقاء ودول الجوار اي منطق للقوة يتفوق على منطق الصداقة والثقة والعمل المشترك.. فالحقوق القائمة على القوة -وليس على مبادىء العدالة والمنافع المشتركة- هي حقوق هشة ستنتهكها في يوم ما قوة اكبر، والتاريخ شاهد على ذلك.. اما الحقوق المتبادلة النابعة من منافع ومصالح متبادلة فيحميها منطق مشترك يرى مصالحه وحقوقه في مصالح وحقوق الطرف الاخر.
عقود وقرون من الحروب والمطالبات الجغرافية والسيادية بين المانيا وفرنسا مثلاً.. نتائجها الكراهية وحرب عالمية وخسائر هائلة مادية وبشرية.. وحرب كيماوية هي الوحيدة تاريخياً، عدا ما فعله صدام بشعبه. فهزمت المانيا لتجرد من الالزاس واللورين (واراض كثيرة اخرى) وتفرض عليها معاهدة فرساي عقوبات قاسية.. ومن رحم الاولى جاءت الحرب الثانية.. لتستعيد المانيا اراضيها وتحتل غيرها اضعاف جغرافيتها.. ورغم قوة المانيا وقدراتها خسرت الحرب.. ودمرت وفقدت ملايين الضحايا وقُسمت واحتُلت.. فتهاوت نظريات القوة العسكرية المجردة والغرور الكاذب.. وبدأت نظريات استثمار طاقات الامة البشرية والعلمية الهائلة.. والعمل لضمان حقوق المواطن وبناء الوطن وامنه دون استنزافه في المغامرات.. بل جعل الصداقات والتحالفات والقدرات الثقافية والعلمية والتنظيمية والاقتصادية قوتها الحقيقية.. فاستعادت المانيا ليس نفسها وقوتها ووحدتها فقط، بل تقدمت على محتليها ووحدت جغرافياتها، وضمنت لنفسها دوراً اوروبياً وعالمياً متألقاً.