وإنها كان تخضع للإدارة العثمانية أو البريطانية بصورة مستقلة كأي بلد عربي آخر خضع للاحتلال في جزء من تأريخه، وبغض النظر عن هذه الرؤى التاريخية وما يصحبها من سجالات فإننا مدعوون إلى تقرير حقيقة واضحة وهي إن السياسي حتّى لو لم يكن في دائرة صنع القرار فانه سيكون قطعاً ضمن الأصوات التي تمهد بلا شك لصنعه لأنها تساهم في توجيه الرأي العام.
وهذا يفرض على السياسي أنّ يفكر بطريقة واقعيّة أكثر انسجاماً مع مصالح البلدين وبما توحي به التجربة التاريخية والتي تؤكد إن هذا البلد الصغير جداً استطاع أنّ يحتفظ بنوع من العلاقات الدّولية والإقليميّة تمكنه من المحافظة على نوع من الاستقلال لا يعتمد على القوة العسكرية، أو سعة المساحة، أو القدرة التعبوية، بل على المرور من بين التقاطعات وعلى العكس من دولة العراق التي لم يراعِ بعض سياسييها هذه الحقيقة مما أدى بهم لدفع ثمن باهظ لتلك السياسيّة اقتصادياً وعسكرياً واجتماعيّاً.
ففي فترة الحكم الملكي وفي عهد الملك غازي بن فيصل في عام ١٩٣٥، قامت إذاعة خاصة تبث من القصر الملكي قصر الزهور حمله لضم الكويت إلى العراق، وبعد أسبوع واحد من إعلان استقلال الكويت عقد عبد الكريم قاسم مؤتمراً صحفياً في بغداد يطالب في بالكويت مُهدداً باستخدام القوة، لتندلع بذلك أزمة سياسيّة بين الكويت والعراق. وقد حاولت القيادة العراقية إضافة لمسات قومية لهذا الصراع فقامت بطرح فكرة أن الكويت كانت جزءاً من العراق أما في عام ١٩٩٠، فقد تقدمت فرق الحرس الجمهوري مخترقة الحدود الدولية باتجاه مدينة الكويت وتوغلت المدرعات والدبابات العراقية في العمق الكويتي وقامت بالسيطرة على المراكز الرئيسية في شتى أنحاء البلاد ومن ضمنها العاصمة، كما قام الجيش العراقي بالسيطرة على الإذاعة والتلفزيون الكويتي وتم اعتقال الآلاف من المدنيين الكويتيين بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الأجانب الذين كانوا موجودين في الكويت في ذلك الوقت والذين تم استعمالهم كرهائن لاحقاً.
والملفت للنظر إن هذه العقلية الصانعة للكوارث لا تزال موجودة إلى الآن،
وإنّها تحاول بشتى الطرق افتعال الأزمات مستغلة أيّ سبب وأيّ خلاف وأيّ سجال حول المسائل المشتركة عبر إطلاق التصريحات النارية غير المدروسة مع إننا لا نرى منها نفس التصريحات المتشنجة حين يكون الاختلاف مع أيّ دولة أخرى وهذا يُثير الكثير من علامات الاستفهام.
لكنّ في نفس الوقت كانت هناك زعامات وطنية عراقيّة تبنت منهجاً عقلانياً في التعاطي مع الأزمات مع دّولة الكويت وفي ظل ظروف سياسيّة حرجة ومعقدة جداً، أعقبت غزو نظام صدام لتلك الدّولة، ومن هذه الزعامات شهيد المحراب آية الله العظمى محمد باقر الحكيم ومن ثم السيّد عبد العزيز الحكيم (قدس سرهما)، وبعدهم السيّد عمّار الحكيم.
ونأمل ممن تقلد زمام الأمور أو من يروم الإمساك بها أن يكون قارئاً جيّداً للتاريخ، وان لا يكون متأثراً بالمواقف المسبقة والتي أثبتت حركة الواقع السياسي إنّها ليست دقيقة بل
إنها ستؤدي إلى خسائر كبيرة، فبعد أن احتل النظام الصدامي المباد الكويت رُبّما لم يدور في خلده انه سيضع العراق رهينة للإرادة الدوليّة والإقليميّة.
وهذا أمر لا يحتاج إلى بُرهان، ومع كل ذلك نجد من يصر على انتهاج نفس النهج، وهو أمرٌ ملفت للنظر ويدعوا إلى التساؤل عن النوايا والخلفيات، فالكلّ يعلم إن إخراج العراق من طائلة الفصل السابع يعتمد بصورة أساسيّة على خلق أجواء ايجابية في العلاقات العراقيّة الكويتيّة،
وبدون هذه الأجواء فإن الكثير من الإشكالات التي ستحول دون خروج العراق من أسر القوانين الدّولية التي ستمنع استعادة دوره العربي والإقليمي وتحول دون استمراره في عمليّة التنمية.