المكان مليءٌ بالقذارة والنفايات، والبرد هو درسنا الأول، الشتم والسب هي أبجديات وأخلاق من يُعلمنا، ولأننا أمةً يملئها الرعب والإرهاب فكان الخوف هو منهجنا وثقافتنا ومبدئنا الذي لا نحيد ولا نتنازل عن وجوده، (والسبورة) كم أكرهها، تعجُ بصخب الشعارات التافهة والبائسة التي تتحدث عن بطولات وإنجازات وعبقرية القائد الضرورة، وعن رجالات التأريخ والفتوحات والغزوات والعهر والذبح والسيف و(النطع) والخلافة وأمير المؤمنين والجواري وبيت المال والفجور والخمور والقصور والرعية والمعية، المنظر أشبه بمعسكر تعذيب كُلاً ينتظر دوره كي يُهان وتمتهن كرامته، هكذا كانت مدرستنا ومن يقول خلاف ذلك فهو يُزيف الحقيقة ويمتهن الكذب على الآخرين.
النظام التعليمي في العراق هو مشكلة أزليّة ساهم في صنعها وإيجادها الاحتلال البريطاني والحكومات التي تعاقبت لحكم العراق، فجلّ ما قدمه هذا التعليم هو ثقافة المحفوظات التي كنا نرددها دون أنّ نعي ونمحص وندقق طبيعة تلك المعلومات والمحفوظات التي باتت يافطات سيئة تختزنها ذاكرتنا، وفي هذه المحفوظات ثمّة ثقافة مرعبة ومقصودة فهي تعلمنا بأن السماء مجموعة من الأفاعي والعقارب، وأنّ الآخرين هم أعداؤنا وينبغي علينا قتلهم وإخراجهم من ديارهم كونهم لا يدينون بديننا، وتزرع في نفوسنا التقديس لأشياء آن لها تشطب وتحذف وترمى في مزابل الأفكار والتاريخ.
الكلّ ودون استثناء مطالب اليوم بإيجاد حلول أكثر واقعيّة لترّهات التعليم في العراق، إذ أضحى التعليم عبئاً ومحنة وهمٌ يواجه الطالب بدءاً من دخوله الابتدائية وحتّى تخرجه من الكلية، فالمناهج التي أكل الدهر عليها حتّى شرب، ونظم المعلومات والمنظومة التدريسية باتت تهدد كيان التعليم وتجعله في أواخر الركب وبامتياز.
أعطوني سبباً واضحاً ومقنعاً عن مناهج تتحدث عن شخصيات ينبغي لنا أنّ نقف إزاءها بتبجيل وتقديس، أعطوني سبباً مقنعاً عن النظريات الاقتصادية التي طُرحت على طاولة البحث والنقاش العلمي منذ العشرينيات والثلاثينيات، فهل عجزت عقول الرجال أنّ توجد قراءة تعلم أطفالنا ثقافة الحبّ بدل الكره والحقد، وهل عجزنا فعلاً عن طباعة كتاب يتحدث عن آخر ما قاله الآخرون في علم النفس، والاجتماع، والاقتصاد، والسياسة، والمنطق، والفلسفة، هل عقمت عقولنا أنّ تؤلف لجان تتفق على وضع تصورات ورؤى وآراء وبرامج تهدف للارتقاء والنهوض بواقع التعليم المزري والبائس والذي دخل إلى رحمة الله من عقود خلت.
وأرجوكم ألف مرة قبل أنّ تُبدلوا مناهجكم التي لا تصلح لــ (حضانة) في عاصمة من عواصم أوروبا، أنّ تكونوا جادين هذه المرة في أنّ تحذفوا (قدوري) من قراءتنا، فقدوري ما عاد يدقُ بابنا لأن بابنا ولله الحمد قد دقه لصوصنا واخذوا الباب والشباك والوطن ولم يبقَ لنا شيء.
نقطة ضوء:
إسمع نداءات السنين
إسمع دروس الماضين
تعلم من خبرة المعذبين
إفقه من خبرة المحرومين
أو إذهب أيّها الغبي إلى الجحيم.
(سوزان عون) كاتبة وأديبة لبنانية.