الخطأ الفادح والكبير في مشروع مدينة النجف عاصمة الثقافة الإسلاميّة هو إعطاء انطباع لدى الآخر بأن كلّ شيءٍ قد أكتمل ولم يتبقَ سوى اللمسات الأخيرة والترتيبات النهائيّة، هذه الترنيمة والمعزوفة والثقافة البالية هي من كانت سبباً في إجهاض هكذا مشروع هام وغيره من المشاريع التي لم ولن ترى النور مادامت تلك المعزوفة تجد آذانا صاغية ويبرّر خطأها الفادح وتسوغ قناعاتها المهلكة.
قطعاً لن نسأل من كان المسؤول فالحكومة ستقول المحافظة والمحافظة ستقول مجلس المحافظة ومجلس المحافظة سيقول الحكومة، وهكذا سيبقى الدوران في الحلقة المفرغة وعندنا من تلك الأمثلة الكثير.
شاء الآخرون أم أبوا فالنجف هي حاضرة الدنيا وموضع العلم والتكريم من قبل السماء، فبين ربوعها صدحت البلاغة وتفجرت الفصاحة وجرت ينابيع الأدب الرقراق وانسابت بحار الكلام واللغة والعربية والفقه والأصول والمنطق والفلسفة، هي مواضع العلم والكلم ومنائر المجد والسؤدد، تشرفت بأمير البيان وسيّد البُلغاء علي "ع" وضجيعيه آدم ونوح عليهم وعلى نبينا آلاف التحايا والسَّلام، تخرج من بين طياتها رجالات الدنيا الذين حملوا على عاتقهم قبس العلم ونور الحكمة وشموس الهداية، فهي المدينة التي خدمت تعاليم الإسلام السمحاء وقدمت الكثير ومازالت، فالاحتفاء بها كونها عاصمة الثقافة الإسلاميّة هو جزءاً يسيراً جداً من الوفاء لرجالاتها وأبنائها ومعالمها وتاريخها وتراثها ومنائرها وجراحاتها، النجف ضوءٌ لم ولن يأفل لأنه ينبثق وينبع من عمقها الفكري وريادتها للمرجعيّة وصناعة القرار ومساهمتها في رفد الإنسانيّة ومناهج التفكير البشري بعلومها وطاقاتها البشرية التي تركت بصماتها ولمساتها في آفاق التاريخ البشري.
ما مرَ كان قليلاً بحقها وبإنجازاتها التي تحدث عنها الأقربون والأبعدون، فهكذا مدينة معطاءة ومنجبة للخير والسّلام والعلم والمعرفة، علينا أنّ نخطط لها ولمستقبلها بهدوء وبروية وأنّ يحاسب كلّ من كان سبباً في وأد هذا الحلم البريء، والنجف هي أكبر وأسمى من المزايدات الهابطة والرخيصة والتي تفصح عن الحقيقة المغيّبة ، ولله در الأديب حينما قال: ومازالت رواة العلم تهدي إلى النجف التحية والسلاما .