إن هذا التحول الى الديمقراطية يعني الانتقال الى الطور المتقدم في مسيرة البناء والتنمية التي ترعاها مؤسسات الدولة المقامة دستورياً لخدمة الوطن والمواطن، وتماشياً مع مضامين هذا التحول، وانسياقاً لتبعات هذا التغيير،غيرت القيادات المجلسية عبارة (الثورة الاسلامية) من تسمية كيانها البارز في الساحة ليصبح على ما هو عليه اليوم (المجلس الأعلى الإسلامي العراقي)، كما تغير اسم جناحها العسكري المعروف بفيلق بدر الى منظمة بدر للتنمية والاعمار.إن هذا التغيير المستساغ والمبررعند النخب السياسية الإسلامية وذوي التفكير البناء من المتعاملين مع الواقع السياسي الجديد برؤية شاملة وناضجة جعل الحديث عن (الثورة الاسلامية) حديثاً خارجاً عن منطقة التغطية وفاقداً لجاذبيته في مجال العمل السياسي في العراق الديمقراطي الجديد.
جمال الثوب الجديد الذي تزيا به المجلس الأعلى مؤخراً لا يكشف عنه فقط تحديد اللون الأصفر شعاراً تعريفياً لكيانه فذلك جمال محدود لأنه مؤطر برمزية الشعار ودلالته ومتعلق بالشكل دون المضمون، بينما حقيقة جمال هذا الزي الحديث تتجلى أكثر بعدم مساسه بالموروث القيمي الكبيرالذي ضحى لإرساء دعائمه مئات الشهداء يتقدمهم شهيد المحراب (رض) وبمحافظته على الأخلاقيات المعهودة بالمجلس الأعلى وعلى منهجيته السياسية المرتكزة على الوسطية والاعتدال، والأخيرتان تقفان ضداً للتطرف والانحياز وليس للثورية والحزم لذلك يمكن القول أن تغيير عبارة (الثورة الاسلامية) لا يعني التخلي عن الثورية فالثورية لا تنحصر في ميادين الجهاد وساحات القتال ولا تعني في كل الاحوال المواجهة المسلحة.
المجلس الأعلى اليوم يشهد حراكاً غير مسبوق في مجال تطوير هياكله التنظيمية وتحديث آليات عملها بما يحقق زيادة في قوة هذه التنظيمات وزيادة في تأثيرحركة مفاصلها المرتبطة بجماهيرالمجلس وأنصاره ومحبيه وإن ما تحقق بفعل هذا الحراك المتواصل يبشر بان المجلس الأعلى سيعود للواجهة السياسية أقوى بكثير مما كان عليه في الانتخابات السابقة .
الحديث عن خطط المجلس الأعلى وإعداداته للإنتخابات المقبلة ما زال سابقاً لأوانه لكن المنجزات المتحققة على الأرض تشير إلى أن المجلس يسير في الاتجاه المنشود متداركاً لأخطاء تجربته السابقة معتذراً منها لجمهوره، وثقافة الإعتذار هذه لم تكن واردة في حسابات السياسيين العراقيين ولم يروج لها إلا رئيس المجلس الأعلى فسماحة السيد عمار الحكيم ومن خلال الملتقى الأسبوعي لا يتردد في مكاشفة ومصارحة أبناء شعبه واطلاعهم على ما يدور في الأروقة السياسية في مساهمة منه لكشف ضبابية المشهد السياسي وإزالة غباره العالق المثار بفعل ما يرافق التصريحات المتبادلة بين القوى السياسية ورموزها الصغار والكبار من اثارة وشد وجذب، ووسط هذه الأجواء المشحونة يرتفع صوت المجلس الأعلى وصوت رئيسه الحكيم اسماً على مسمى ليؤكد على اعتماد الحوار منهجاً في حل الخلافات والاحتكام الى الدستور في فض النزاعات واحترام الاتفاقيات والعهود المبرمة بين أطراف العملية السياسية وجهاتها المختلفة.
تمسك المجلس الأعلى بأخلاقياته العالية ونزول قياداته العليا الى الشارع للقاء المواطن وجهاً لوجه وملامسة همومه بعيداً عن مواسم الدعاية الانتخابية، في وقت ينشغل فيه البعض في تحقيق المغانم والمكاسب على حساب المواطن المغلوب على أمره، قد أكسب المجلس المزيد من الاحترام بنظر المواطن الذي بدأ يتحرر من تأيرات الدعاية المضللة التي استهدفت قيادات المجلس سابقاً واستقالة الدكتور عادل عبد المهدي من منصبه الرفيع استجابة لمطالبة المرجعية الدينية للقوى السياسية ومناشدتها لهم بترشيق المناصب وتخفيض الرواتب أقنعت المنصفين من أبناء الشعب بأن أفعال المجلس الأعلى تطابق شعاراته .
المجلس الأعلى بعد رحيل رئيسه عزيز العراق (رضوان الله عليه) واجه ظروفاً بالغة الصعوبة منها توقيت هذا الرحيل المؤلم وقد حاولت بعض الدوائر السياسية خصوصا تلك التي لا تتحلى بروح التنافس الشريف أن تنال من قوة المجلس ووحدة قياداته ، لكن اتفاق هذه القيادات - أو أغلبها - على كفاءة سماحة السيد عمار الحكيم ليتسلم موقع رئاسة هذا الكيان كما جاء في وصية والده الراحل الكبير فوت الفرصة على اولئك المتخصصين في مهنة الاصطياد بالماء العكر وخابت آمال قائلهم (( سأجعل من المجلس الأعلى حسينية للطم والعزاء وتوزيع الثواب )) والفضل طبعاً يعود الى صبر القائد الشاب وحكمته وشجاعته في مواجهة المهمات الصعبة، ولا أدل على ذلك حين قررت منظمة بدر الاستقلال عن تيار شهيد المحراب عندها أطل القائد الحكيم على الرأي العام بكلمة تأريخية امتصت صدمة هذا القرارالمؤلم، فقد وضع يده على الجرح وهو يستشعر حجم الالم كأفضل طبيب وكتب وصفة العلاج كأفضل شاعر مرهف الحس ورمى طوق النجاة كأحرص ربان يدرأ عن الملتحقين بسفـينته مخاطر الغرق وخيرهم أحد الطريقين فاختار أكثرهم البقاء بالبيت الحكيمي الكبير الذي يقع في قلب العراق وأبقى ذراعيه مفتوحتين لمن يغرق في حب هذا العراق .
المجلس الأعلى سفينة لا تغرقها الرياح العاصفة مهما ازدادت عتواً ، وربانه الحكيم يعرف أن الـ (تيتانك) المجلسية لا تغرق إلا في لغة الشعراء وخيال الغاوين، وهو ذو ذائقة لا تستعصي على ادراكه مفردات هذه اللغة ، لهذا توجهت مشدودة الى عمامته السوداء أنظار الادباء الكبار والمبدعين في مهرجان البابطين للابداع الشعري منتصف اكتوبر ٢٠١١ وأسماعهم مشدودة الى فصاحة بيانه وهو يلقي كلمة استذكر في مقطع منها رجل الدين والدولة والأدب الشيخ المجدد محمد رضا الشبيبي وقصيدته في تأبين ضحايا التايتانك المشهورة .
الحضور البهي للقائد الشاب والحكيم المهذب في المحافل الدولية والمحلية، والتكريم والحفاوة البالغة التي يحظى بها سماحته من قبل الملوك والرؤساء والأمراء، وسع دائرة المعجبين بقابلياته المتنوعة، وزاد من عدد المتأثرين باطروحاته السياسية والاجتماعية . إنه عصارة ثورة مع مشروع إصلاح ، وخلاصة حوزة علمية في التزام وانفتاح ، استصغر البعض سنه فوجده العارفون كبيراً لا يقاس، وأجهد الآخرون أنفسهم لتسقيطه فوجدوه جمرة لا تداس، وقال أمثلهم طريقة لدينا كل شيء فالحكومة بيدنا والسلطة والمال عندنا ولكن ينقصنا الأهم من ذلك كله ينقصنا السيد عمار !
( التكملة ان شاء الله في الاسبوع المقبل بعد انعقاد مؤتمر الهيئة العامة للمجلس الأعلى في يومي السبت والأحد) .