أولا: أن الأزمة السياسية في العراق سائرة نحو الحافات الخطرة والنقاط الحرجة بوتائر متسارعة.
ثانيا: غياب فرص وإمكانيات الحلول الواقعية التي من شأنها وضع حد للأزمة ـ أو الأزمات ـ المتلاحقة.
ثالثا: بروز ظاهرة التفكك والتشظي لدى مختلف القوى والكيانات السياسية.
رابعا: اتساع مستوى الخلافات والتقاطعات، الذي وصل الى كبار القيادات والزعامات السياسية العراقية، بحيث باتت الحاجة ملحة ـ بنظر البعض ـ لتدخل قوى خارجية بطريقة ما.
اجتماع النجف الذي جاء مكملا لاجتماع أربيل الخماسي واستمرارا له، شارك فيه إضافة الى الصدر، قياديون من " القائمة العراقية" في مقدمتهم رئيس البرلمان أسامة النجيفي، وقياديون من "التحالف الكردستاني"، من بينهم القياديان في "الحزب الديمقراطي الكردستاني" هوشيار زيباري و روز نوري شاويس، والقياديان في "الاتحاد الوطني الكردستاني" برهم صالح وفؤاد معصوم، ورئيس حزب "المؤتمر الوطني" احمد الجلبي، والنائب المستقل الشيخ صباح الساعدي، وشخصيات سياسية أخرى.
والرسالة التي أطلقها اجتماع النجف الى رئيس الوزراء نوري المالكي و"ائتلاف" دولة القانون، كانت واضحة للغاية، ومفادها أن أمام الأخير مهلة أسبوع لفعل شيء ملموس، وإذا كانت رسالة المجتمعين قد وجهت الى "التحالف الوطني" بواسطة الجلبي طالبة عرض بديل عن المالكي، فإنها في الواقع موجهة الى الأخير وائتلافه، ولا سيما أن طرفا رئيسيا من "التحالف الوطني" شارك في الاجتماع، بل انه كان المبادر والمضيف والمحرك، ألا وهو "التيار الصدري".
لم يعد خافيا التوجه الجاد من قبل قوى سياسية كبيرة ومؤثرة في المشهد السياسي العراقي، نحو كسر الجمود وإحداث تغييرات يعتد بها، وقد اخذت القناعة تتبلور بأن كسر الجمود وإحداث التغييرات لا يمكن له ان يتحقق الا من خلال تنحي ـ او تنحية ـ المالكي وتكليف شخص آخر يختاره "التحالف الوطني" بمهمة رئاسة الحكومة، وقد راحت التكهنات تشغل حيزا غير قليل في وسائل الإعلام عن الأشخاص المحتملين لخلافة المالكي، مثل رئيس "تيار الإصلاح الوطني" ابراهيم الجعفري، والقيادي في "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي" عادل عبد المهدي، ورئيس حزب "المؤتمر الوطني" احمد الجلبي، والقيادي في التيار الصدري قصي السهيل وربما آخرين.
ولا شك في أن تسارع وتيرة الحراك الذي أشار اليه بوضوح لقاء اربيل ومن ثم لقاء النجف، جعل ائتلاف المالكي يتوقف كثيراً فيما يمكن أن تؤول إليه الأمور ويتمخض عنه الضغط المتعدد الجوانب والاتجاهات، وبحث أفضل السبل والخيارات لتجنب خيار سحب الثقة وإسقاط الحكومة من تحت قبة البرلمان.
بيد أن تزايد الضغط على المالكي لا يمثل كل المشهد، فهناك التفكك والتشظي الذي بات يعد واحدا من أبرز مظاهر العملية السياسية، فالاكراد ـ حزبا الطالباني والبرزاني ـ مختلفون حول جملة من المسائل من بينها آلية التعاطي مع الحكومة الاتحادية في بغداد والمالكي، و"القائمة العراقية" تعيش خلافات وتتجاذبها أرادات وأجندات متعددة، و"التحالف الوطني" فضلا عن كونه يشتمل على عنوانين يفتقران الى التجانس والانسجام وهما "الائتلاف الوطني" و"ائتلاف دولة القانون"، يفتقد الى الرؤى الموحدة في داخل كل واحد منهما، وابسط دليل على ذلك أن التيار الصدري ذهب الى اجتماع اربيل، واستضاف اجتماع النجف، بينما بقي شركاؤه الآخرون وأبرزهم المجلس الأعلى بعيدين بمسافة معينة عن تفاعلات الأحداث هناك، وحتى بالنسبة لائتلاف "دولة القانون" تنقل أوساط مطلعة وجود حالة تململ من قبل البعض ـ لا سيما المستقلين ـ من طريقة حزب الدعوة بزعامة المالكي في التعامل مع الأزمة القائمة.
وعلى ضوء الحقائق الأربع المشار اليها آنفا، يتحدث مراقبون، ومحافل سياسية في أكثر من مكون عن عدة سيناريوهات محتملة للأزمة السياسية، من تلك السيناريوهات:
الاول: رفض المالكي قرارات اجتماعي أربيل والنجف بمساندة ودعم التحالف الوطني، وفي هذه الحالة فإن أطراف اجتماعي اربيل والنجف ممثلون بـ"القائمة العراقية" و"التحالف الكردستاني" و"التيار الصدري" يتقدمون الى مجلس النواب بطلب سحب الثقة عن المالكي أو الحكومة بكاملها، فإذا نجحوا ستكون أمامهم مهمة البحث عن بديل، وهذا أمر تكتنفه الكثير من الصعوبات والعراقيل.
الثاني: موافقة "التحالف الوطني" على البحث عن بديل للمالكي من بين صفوفه، وهنا تبرز اسماء عديدة تتنافس على المنصب، كما أشرنا آنفا، مثل الجعفري وعبد المهدي والجلبي والسهيل، الى جانب ذلك فإن ائتلاف دولة القانون يمكن ان يطرح مرشحين للمنصب أذا اقتنع أن تنحي المالكي أمر لا بد منه، والمرشحون المحتملون لدولة القانون هما القياديان في حزب الدعوة حيدر العبادي وعلي الاديب، ونائب رئيس الوزراء الحالي حسين الشهرستاني.
الثالث: تكليف رئيس الجمهورية لرئيس القائمة العراقية ـ الكتلة البرلمانية الثانية ـ اياد علاوي بتشكيل الحكومة في حال فشل "التحالف الوطني" بالاتفاق على مرشح بديل عن المالكي خلال المدة الدستورية، وهذا السيناريو يبدو بعيدا الى حد كبير وفق معطيات الواقع الراهن.
الرابع: يقوم المالكي، ووفق السياقات الديمقراطية بطلب الى البرلمان لعرض الثقة به، وفي حال حصل ذلك، وعلى فرض عدم تصويت نواب التيار الصدري له إضافة الى نواب العراقية وربما التحالف الكردستاني، فإن نواب التحالف الوطني والمستقلين وبعض الكتل التي ترغب أن يكون لها دور في العملية السياسية ستصوت له، وهذا يعني أما تجديد الثقة بالمالكي او سحب الثقة عنه، ما يؤدي الى بقاء الأمور على حالها لعدة شهور أياً كان الخيار النهائي.
الخامس: الانقلاب العسكري الذي يطيح بكل اطراف العملية السياسية وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، من الممكن أن تقوم بتقسيم العراق الى دويلات على اساس قومي وطائفي ومذهبي ومناطقي، وهذا السيناريو هو الابعد، لأن ظروف العراق الحالية رغم ما فيها من الفوضى والارتباك وعدم الاستقرار، إلا أنها لا تمثل أرضيات مناسبة للانقلابات العسكرية.
كل واحد من السيناريوهات الأنفة الذكر ـ عدا الأخير ـ لا يمكنها أن تحدث تغييرا دراماتيكيا سريعا، بل أنها تحدد مسارات جديدة، وخيارات بديلة، مع ابقاء الوضع على حاله لفترة من الزمن، لأن الحكومة الحالية ستبقى تدير الامور باعتبارها حكومة تصريف أعمال. وطبيعي ان الحديث عن سيناريوهات واحتمالات متعددة يعني أن الأوضاع السياسية العامة في البلاد تسير من سيئ الى اسوأ، وان فرص الحل والانفراج آخذة بالانحسار والتلاشي، وان الخلاف بات ـ وسيكون ـ سيد الموقف، وان رحيل المالكي يمثل انتهاء جولة والشروع بجولة أو جولات أخرى من الصراعات والمفاوضات والمساومات العقيمة بين فرقاء لم يهيئوا حتى الان أرضيات ومساحات كافية للتفاهم والتوافق على إدارة دولة واقعها معقد وشائك، بصيغ ديموقراطية حقيقية تحتكم الى الدستور لا الى أملاءات الامر الواقع.