ففي وقت يتباهى فيه الشرق والغرب بنظرياته وطروحاته ونظمه لقيادة العالم نادى رجل عظيم ينتمي للبيت المحمدي الاصيل ومدرسته الكبيرة الحوزة العلمية الشريفة, هو الامام روح الله الموسوي الخميني ( قدس) بالعودة الى الاسلام العظيم, هذا المرجع الكبير الذي ترك بصمته الواضحة في تاريخنا المعاصر ليس على مستوى الشعب الايراني فحسب وليس على مستوى المنطقة والعالم الإسلامي وإنما ترك بصماته في الوضع الدولي بشكل عام, فقد وقف رضوان الله عليه مع ثلة طيبة من رجال الامة وعلماء الدين وابناء الشعب الايراني المسلم الاعزل بوجه الحكم الاستبدادي البهلوي وتحمل الوانا من المعاناة وعاش محن المنفى لفترة امتدت لاكثر من خمسة عشرة سنة تنقل فيها بين تركيا والعراق واخيرا فرنسا, ليعود منتصرا بعد معاناة طويلة تحملهما خلال هذه الفترة الحرجة من تأريخ ايران والمنطقة تمثلت بتسلل الطغاة وأتباع أنظمة الاستكبار الشرقي والغربي انذاك من التسلط على رقاب المسلمين والشعوب المستضعفة, والحق ان هذه الانظمة المتجبرة لم تكن تجد مشروعا سياسيا ناضجا يمكنه ان يزعزع عروشها ويمنعها من تجبرها حتى جاءت الثورة الاسلامية وبدء التفاعل الشعبي معها لكون الشعوب التي اريد لها ان تفقد ارادتها شعوب مسلمة رأت في هذه الثورة متنفسا ومعبرا حقيقيا عن تطلعاتها وهو من سيعيد اليها كرامتها وحقوقها المسلوبة.
لقد تمكن الامام الراحل العظيم الخميني (قدس) من متابعة المواجهة المستمرة مع النظام المستبد والدكتاتوري البهلوي في ايران, وكان ثباته وإصراره على مشروعه وعلى ثوابته وعلى رؤيته في انقاذ الشعب الايراني, حيث لم يتزحزح ولم يتردد في لحظة من اللحظات بالرغم من المعاناة الطويلة التي مر بها وقيادته الحقيقية للملايين من ابناء الشعب الايراني المسلم في ظروف بالغة التعقيد وتوحيده للمعارضة بكل توجهاتها وانتماءاتها, كل ذلك مكّنه رضوان الله عليه ان يحقق هذا الانتصار الكبير للثورة الإسلامية في ايران وان يكون مرجعا يقود هذا الشعب باتجاهات الخير والرفاه على كافة المستويات.
ان اهم ما يمكن ان يؤشر في شخصية الامام الخميني هو الشمولية في شخصية هذا الرجل الكبير فكان فقيها واستطاع ان يجدد في الفقه ويقدم نظريات مهمة ولاسيما على مستوى الفقه السياسي والفقه الدولي كما انه كان فيلسوفا و مصلحا اجتماعيا و قائدا سياسيا بارعا ليس له مثيل استطاع ان يقف بوجه كل الاخطار والتحديات ويحقق انجازا عظيما لشعبه والشعوب الإسلامية وللمستضعفين في العالم, فأصبح منارا يقتدى به ويستفاد من تجربته.
اننا وخلال هذه الفترة الحرجة التي يعاب فيها علينا انتمائنا لهذه المدرسة والاقتداء برجالاتها انطلاقا من خلفيات طائفية نرى ان عظيما كالامام الراحل يجب ان يسود فكره المتسامح وتحديه الشديد للتمييز والعنصرية في كل الاصقاع ففكر مقاومة الانحرافات و الانهزامية وسيادة الاستبداد التي يروج لها البعض تحت مسميات شتى ينبغي ان تزال من قاموس الشعوب, وهاهي اليوم شعوب المنطقة تستلهم هذا الدرس وتخرج معلنة رفضها لحكام التوريث وطواغيت العصر المنصبين من قبل الاستكبار والصهيونية ولعل خروج هذه الشعوب يعيد للاذهان صورة تلك الثورة العظيمة التي هزت عرش شرطي منطقة الشرق الاوسط في عودة للاصل فالشعوب اقوى من الطغاة .