ولذا فإن الأنظار والمباحثات تتجه نحو مرحلة مابعد المالكي .فحجب الثقة أمر مفروغ منه ،ولذا فلابد من تحديد هوية رئيس الوزراء القادم حتى لا تدخل البلاد في حالة من الفراغ السياسي ربما تسعى الاطراف المتضررة وخاصة إئتلاف دولة القانون لزج البلاد بها .وقد قطعت عملية إنتخاب رئيس للوزراء شوطا كبيرا مع تسليم القوى السياسية المختلفة بأن ترشيح رئيس وزراء جديد هو حق للتحالف الوطني باعتباره الكتلة البرلمانية الاكبر.
ولذا فإن التحالف الوطني يتحمل مسؤولية كبيرة في منع إنزلاق البلاد الى حالة من الفراغ السياسي لا تحمد عقباها، وذلك بالاسراع في ترشيح شخصية جديدة لهذا المنصب.وقد أثار البعض في الآونة الأخيرة قضية إعادة ترشيح المالكي لشغل المنصب !وهي سابقة لا نظير لها في مختلف دول العالم !فعندما تسحب الثقة من مسؤول فلايمكن اعادة ترشيحه. ولذا فان مثل هذا الطرح لا يهدف إلا الى تسميم الاجواء وابقاء البلاد في حالة من الفراغ والاحتقان السياسي هي في غنى عنها.
ولا يبدو بأن قادة التحالف الوطني بصدد تبني هذا الخيار الذي لا يوصف الا ببعده عن الحكمة.
وقد تم في الآونة الأخيرة تداول عدد من الأسماء المرشحة لهذا المنصب وفي طليعتها رئيس الوزراء السابق الدكتور ابراهيم الجعفري ،ورئيس المؤتمر الوطني العراقي الدكتور أحمد الجلبي،ونائب رئيس الجمهورية السابق الدكتور عادل عبدالمهدي،ونائب رئيس مجلس النواب الحالي الدكتور قصي السهيل،ووزير المالية السابق المهندس بيان جبر الزبيدي.
فأما الاول وهو الدكتور الجعفري فهو يتمتع بخبرة سياسية وثقافة عالية ومرونة في التعامل فضلا عن كونه كان مرشح كتلة الاحرار للمنصب عقيب الانتخابات الأخيرة.الا أن ما يؤخذ عليه هو عدم إتخاذه لموقف واضح من قضية حجب الثقة عن المالكي وهو الامر الذي باعد بينه وبين كتلة الاحرار في الآونة الأخيرة ،هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن تجربته السابقة في الحكم لم تكن ناجحة على صعيد علاقاته مع القوى السياسية الأخرى وخاصة الكتلة الكردستانية.ومما يؤاخذ عليه هو إسغراقه في لغة الخطابات والوعظ التي يبرع بها وهو ما طبع شخصيته بطابع ثقافي يطغى على جانبها السياسي.ولذا فتبدو حظوظه ضعيفة لتولي هذا المنصب ثانية.
وأما الدكتور أحمد الجلبي مهندس عملية إسقاط النظام السابق،فهو اقتصادي ويحظى بعلاقات طيبة مع مختلف القوى السياسية العراقية وقد سارع للحاق بركب اربيل وهو قريب من كتلة الاحرار التي لها اليوم اليد الطولى في تعيين رئيس الوزراء الجديد.الا ان ما يؤخذ عليه هو ضعف قاعدته الشعبية وعلاقته المتوترة ببعض دول الجوار وكذلك بالادارة الامريكية ،ولذا فان حظوظه ضعيفة لتولي المنصب مالم يحظى بدعم التيار الصدري.
واما الدكتور عادل عبدالمهدي الاقتصادي والذي كان منافسا قويا للمالكي سابقا فانه يحظى بعلاقات طيبة مع القوى السياسية الاخرى ولم يكن بعيدا عن إجتماعات اربيل الأخيرة وقد أظهر نكرانا للذات عبر إستقالته من منصب نائب الرئيس استجابة لنداء المرجعية الدينية التي دعت لخفض النفقات.الا ان حملة التشويه التي تعرض لها في عهد الماكي على خلفية ما عرف بقضية مصرف الزوية قد أثرت كثيرا على صورته أمام الرأي العام الذي إنساق وراء الاعلام الحكومي المؤيد للمالكي. ومن ناحية أخرى فلم يعرف عنه حسن العلاقة مع الكتلة الصدرية الا انه يبدو وجها مقبولا لدى مختلف القوى السياسية ولذا فتبدو حظوظه أكبر من حظوظ سابقيه.
واما عضو الكتلة الصدرية الدكتور قصي السهيل فيعتبر أوفر المرشحين حظا لتولي منصب رئيس الوزراء فيما لو تخلى الصدريون عن عدم رغبتهم بتولي أحدهم للمنصب.فهو شخصية اكاديمية متوازنة اثبت كفاءة وحيادية في ادارة جلسات البرلمان العراقي عبر عمله في هيئة الرئاسة ،مما مكنه من ان يحظى باحترام مختلف القوى السياسية. ولذا فالامر متوقف على الصدريين لترشيحه للمنصب وهو يتوجب مبادرة القوى السياسية الاخرى لاقناع التيار الصدري بترشيحه.
واما في حال اصرار الصدريين على عدم ترشيح أحدهم للمنصب فإن المرشح الاخير واعني باقر الزبيدي سيكون هو الاوفر حظا لتولي المنصب.فهو يحظى باحترام مختلف القوى السياسية فهو شخصية معتدلة متوازنة ومهنية ،وهو اداري من الطراز الاول نجح في جميع المهام الوزارية التي تولاها وفي طليعتها وزارة المالية والاعمار والداخلية فضلا عن نظافة يده .كما وان انتمائه لفصيل المجلس الاعلى الذي يقف اليوم موقفا وسطيا من موضوعة حجب الثقة رغم بعض الميول الظاهرية نحو المالكي ،فإن ذلك سيكون عاملا مساعدا في توسيع جبهة القوى المعارضة لإئتلاف دولة القانون التي سعت لتهميش مختلف القوى في المرحلة السابقة والحالية.
وبإنتظار إكتمال الخطوات العملية التي تؤدي لانتخاب رئيس وزراء جديد وفي طليعتها انعقاد جلسة حجب الثقة ،فان المشاورات جارية على قدم وساق لمنع إنزلاق البلاد في حالة من الفراغ ولمنع ظهور دكتاتورية جديدة تضع البلاد على حافة الانهيار والوقوع في أتون الحروب الاهلية ولمنع تشظي بلاد ما بين النهرين وأخيرا لاعادة العملية السياسية الى مسارها الصحيح بما يضمن ديمومة المسيرة الديمقراطية الفتية وحمايتها من المخاطر التي تحيق بها.