لم تكن أحلام فقراء العراق وجياعه وولد الخايبة ومعدوميه الأحياء بكثيرة ومثالية وتفوق التوقعات، فجلّ ما كانوا يحلمون به قوت أطفالهم وثمن الدواء وسقف يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء ورغيف خبز يمتزج بالكرامة ويحفظ ماء وجوههم التي أتعبها الذل والعوز والجوع والحرمان والفقر، لذلك استبشروا خيراً بجعجعة الصيحات التي اتخذت من معاناتهم شعارات وجمل مركبة لدعم مشروع سحب الثقة الذي وأده من كان بالأمس القريب يهمس بآذانهم بتراتيل وبطولات أبا ذر وزهد علي "ع"، وثورة محمّد "صلى الله عليه وآله"، وانتهت (الحدوتة) بعد أنّ شبعوا من تخمة تلك الخطابات حتّى مسهم اليأس والإحباط منها.
لا ادعي إحاطتي بالموضوع وتفرعاته وما هي الكلفة التي رُصدت له، وماذا جرى خلف الكواليس، فتلك الأسرار ندعها للتأريخ الذي نكتبه نحنُ الفقراء وهو الحكم (اللاعدل)، فما يهمني هنا ثمّة تساؤلات مشروعة وأفكار بصوتٍ عال، وصيحات من كوامن النفس رأت فيما رأته نكسة للضمير الذي برّر للصوص سرقتهم للوطن، وباع فتاواه كي يسوغ منطق البقاء (للأفسد)، تُرى كيف أقنع البعض ضميره بأن ما حصل بالعراق هو مشروعٌ وصراع غير عادل؟، وكيف رأى البعض بأن سحب الثقة عن قادة (جمهورية اللصوص) بأنّها مؤامرة كبرى، ولو فرضنا ذلك، فهل التلاعب بقوانين السماء وقيم الأرض أصبحت (حدوتة) ومسخرة ومادة إعلاميّة يُروجها البعض حينما تزاحم ثرواتهم وأسمائهم ووجودهم؟!، قطعاً لا غرابة بأن نجد صحيفة بائسة وقناة أشبه ببوق يُطبل ويزمر للقادة، لكنّ الطامة حينما تصل للفقهاء ومن يُعلق عليهم الفقراء آمالهم وأحلامهم، ويرى بهم المنقذ والمخلص كونهم خلفاء الله في أرضه والرعاة العادلين والقاسطين والزاهدين، وللحق أنّ ما حصل كان بمثابة نكسة للضمير، وجريمة سيقف التاريخ عندها مستنكراً ومذهولاً ومتألماً وطارحاً لأسئلته البريئة، أمّا نحنُ فلنا وقفات مع من سرقنا وتاجرَ بدمائنا وأستخف بعقولنا، وللآتي والقادم من الأيام رؤى وتغيرات، فللدهر يومان.
نقطة ضوء:
الحربُ تترك بعد انتهائها ثلاثة جيوش:
جيشٌ من القتلة
وجيشٌ من اللصوص
وجيشٌ من المشوهين.
(....)