الحقيقة ان اعدام هؤلاء تم قبل عدة اشهر و ان السعودية اخفت هذا الخبر و تقول السفارة الإيرانية في الرياض انها لم تستلم حتى الان اجساد الايرانيين الذين ربما قطعت رؤوسهم ، ولكن يا ترى لماذا اثار النظام الايراني ضجة كبرى بهذا الشأن؟ وهل يستحق تجار المخدرات مهما كانت هويتهم كل هذا الدفاع و لماذا لا تبث الرياض ان هؤلاء كانوا حقاً من تجار المخدرات وان إعدامهم كان حقاً من حقوق السعودية او اي دولة اخرى تبادر بإعدام تجار المخدرات الذين يستحقون الاعدام و قطع الرأس اذا كانوا في الواقع تجار مخدرات او ما يطلق عليها تجارة الموت؟.
كلنا نعلم ان العلاقات بين ايران والسعودية تعرضت في العقود الماضية الى نكسات سياسية كبيرة و لم تتحسن هذه العلاقات الا في عهد الرئيس رفسنجاني الذي مارس سياسة معتدلة بالتعامل مع الدول العربية و يدرك أهمية التعاون والتنسيق مع هذه الدول و ان ليس لايران ولا الدول العربية سوى مسير التعاون الإقليمي على الاقل على الصعيد الجماهيري و هذه حقيقة قائمة على أنوف الجميع وحتى ان الرئيس احمدي نجاد الذي يرفع الان شعار العداء لدول مجلس التعاون كان اول رئيس جمهور إيراني سافر الى الرياض و عانق ملك السعودية و اشاد بدورها في العالم الإسلامي وانه شارك دون غيره من الرؤساء الإيرانيين في اجتماع مجلس التعاون الذي يرفع اسم الخليج غير الذي تنادي به ايران و تطلق عليه في إعلامها الذي وصف آنذاك إيران و الدول العربية الخليجية انهما تمثلان جناحي لطائر العنقاء يحلق في المنطقة و العالم!.
وقد لا يدرك الكثيرون من ان لايران والسعودية والكثير من الدول العربية الخليجية و بالرغم من تقلص العلاقات السياسية، افضل العلاقات في المجال الاقتصادي والتجاري لا لشيء سوى ان هذه العلاقات تدر على جيوب بعض المسئولين في الطرفين اموالاً طائلة لا تحرقها النار.
و آخر تقرير اقتصادي يشير الى ان حجم التبادل التجاري بين الرياض و طهران اكثر من مليار دولار في العالم الماضي و ان ايران و الامارات اللتان تقيمان الدنيا وتثيران ضجة اعلامية لا حدود لها بشأن الجزر الثلاث المتنازع عليها بين البلدين لهما افضل العلاقات الاقتصادي وان حجم التبادل الاقتصادي الرسمي بين ايران والإمارات ١٦ مليار دولار سنوياً الى جانب ٢٠ مليار دولار تهريب سلع بين ايران والإمارات، و جميعنا نعلم من الذين يقومون بهذا التهريب والى اين تذهب هذه المليارات ، و جيوب كبار اي من المسئولين في البلدين تمتلئ من عمليات التهريب بالدولارات النجسة و الحرام!.
اما علاقات ايران مع قطر فحدث ولا حرج و نشير هنا فقط الى ملف حقل الغاز المشترك بين البلدين و ان الحكومة الايرانية لاتزال تواصل صمتها على حصول دولة قطر اكثر من ١٢٠ مليار دولار اكثر من حصة ايران في هذا الحقل و لماذا تلوذ الحكومة الإيرانية بالصمت حيال ذلك و ما هو الثمن المدفوع سرا من دولة قطر لبعض المسئولين في طهران.
و لكن خلافاً لهذه الحقائق والمصالح الفئوية الدفينة بين كبار المسئولين و المنتفعين في ايران والدول العربية، فان إعلام الطرفين و بعض المسئولين والإعلاميين الذين ربما لهم مصالح مادية و شخصية او ان هذه المصالح تعرضت للخطر او قد يكونوا يسعون لاخفاء حقيقة مصالحهم الفئوية السرية أثاروا مؤخرا ضجة اعلامية و سياسية لتخريب جسور العلاقات بين الطرفين و حتى ان البعض خرج عن الاخلاق الدينية و الإنسانية من خلال الشماتة بوفاة ولي عهد السعودية و توزيع الحلويات احتفالا على المتوفى ( للتذكير: ليس من شيم العرب ولا المسلمين الشماتة بالميت مهما كان) واعلنت طهران انها لن تدعو الرياض للمشاركة في اجتماع دول عدم الانحياز المقرر عقده في ايران بسبب إعدام ما أطلق عليهم بتجار المخدرات، فيما واصل اعلاميون في الطرف الآخر بالإساءة الى كبار المسئولين الإيرانيين و اتهامهم بالتدخل في شئون دول عربية و السعي لامتلاك اسلحة دمار شامل.
قطعاً ان تدهور العلاقات بين ايران و دول خليجية يعود الى مرحلة اجتياح أمريكا للعراق و اتهام هذه الدول بدعم حكومة الشيعة في العراق، الى جانب اختلاف الطرفين و نزاعها المستمر على الساحة اللبنانية و اخيراً تحالف الدول العربية الخليجية مع الجماعات الداعية لاسقاط نظام الاسد الحليف الأساسي لايران في المنطقة.
و قد تعمقت الخلافات بين الطرفين حيال اندلاع التطورات في البحرين واتهمت ايران السعودية بانها احتلت البحرين ودخلت بجيشها لقمع انتفاضة الشيعة هناك، و حتى ان بعض نواب البرلمان الإيراني اعلنوا صراحة: اذا كان من حق السعودية احتلال البحرين فان ايران لها الحق اولى من السعودية لاحتلال البحرين وان ايران قادرة على ضم البحرين لها خلال نصف ساعة اذا أرادت، حسب قول سفير ايران السابق في باريس صادق خرازي.
و مع هذا فان طهران في الواقع غير قادرة قانونياً تقديم شكوى ضد الرياض بسبب إعدامها لـ ١٨ ايرانياً اتهموا بتجارة المخدرات لسبب بسيط وهو ان ايران اعدمت حتى الان مئات من الأفغانيين اتهموا بتجارة المخدرات و ان تقديم شكوى من جانب ايران بهذا الشأن سوف يفتح ملف اعدامها للأفغانيين المتهمين بتجارة المخدرات.
اما بشأن العلاقات بين الطرفين فمن حق اي دولة تعيين مسير و حجم علاقاتها مع اي دولة اخرى و لكن اذا كان اي طرف في هذا السياق يزعم انه يصر على مواقفه فليقدم على قطع كافة العلاقات لاسيما التجارية التي تدر على بعض المسئولين وقادة المافيا الاقتصادية مليارات دولار سنوياً،
و عليه نقولها صراحة ان ليس من حق دول المنطقة فرض رأيها على شعوب ومواطني الطرفين وان العلاقات العادية بين الجانبين يجب ان تستمر في احلك الظروف خاصة على النطاق الشعبي وان جميع الأزمات يمكن حلها بالتحاور والمفاوضات و ننقل هنا وجهة نظر رئيس مجلس مصلحة النظام الايراني الشيخ رفسنجاني الذي قال في حوار له مع فصلية (الدراسات الدولية) الإيرانية: يجب ان تكون لنا علاقات او على الاقل نافذة للحوار مع امريكا والسعودية وسائر الدول الاخرى _ بالطبع باستثناء اسرائيل _ لكي نحبط مخطط فرض العقوبات على ايران و ان لا ندفع السعودية ملأ مكان ايران في منظمة اوبك في حالة مقاطعة شراء النفط الإيراني.
ان على كافة المسئولين في الطرفين الدرك من ان عهد التهديدات العسكرية قد ولى ولا يمكن خدع الجماهير بالشعارات الفارغة وانه لا يمكن القبول بوجود عداء سياسي بين بلدين في حين ان علاقاتهما التجارية والمصالح الفئوية أحلى من السمن على العسل، كما يقال.
ونحن الاعلاميون بدورنا يمكننا انتقاد سلوك المسئولين او توجيه نصائح لهم و لكن علينا ان نساهم ايضا في إعطاء صورة واضحة و شفافة للرأي العام عن حقيقة سلوك بعض المسئولين السياسيين و الإعلاميين الرسميين و لماذا يصرون على مخادعة شعوبهم واستغباء الجماهير لتخريب الجسور بين شعوب المنطقة.
ان الملفات الكبيرة مثل مواجهة الإرهاب وإنهاء التناحر المذهبي و العداء الطائفي والحيلولة دون وقوع حروب مدمرة في المنطقة تجبرنا جميعاً عدم إثارة الأزمات الهامشية وعدم الغور في ملفات قديمة ومثيرة للشقاق وعلينا على الاقل التظاهر بالتآخي والعمل على إحباط مخططات الأعداء الداعية لإيجاد الفرقة و التشتت بيننا نحن العرب و المسلمون، و ان يعلو صوتنا نحن الجماهير على أصوات كافة الحكام و المسئولين و الدعوات الناشزة لتخريب العلاقات و المودة و الصداقة بين شعوب المنطقة.