وقد بلغ الأمر أن تحدثت الصحافة الدولية عن إحراج تشعر به الولايات المتحدة من مستوى أداء السياسيين العراقيين، لدرجة انها سربت خبراً مفاده أن مستشاري الرئيس أوباما إقترحوا عليه أن يدلي بتصريح حول الديمقراطية في العراق ليزيل صورة البؤس السياسي في العراق والذي تتحمل الولايات المتحدة تبعاته. وقد استجاب أوباما للمقترح وزج في كلامه اشارة الى العراق وانه بصدد بناء ديمقراطية بعد عقود من الدكتاتورية. لكن الإشارة الأميركية لم يكن لها أهمية مقارنة بصراخ السياسيين وهم يتشاتمون ويخون بعضهم بعضهاً صباح مساء، ويهدد بعضهم الآخر بكشف ملفات تثبت مخالفته وسرقاته وجرائمه، وهي مرحلة بائسة وصل اليها الوضع في العراق عندما يفقد السياسي العراقي حاسة المسؤولية، فيتعامل مع الملفات هذه على أنها أدوات للصراع الشخصي، يختزنها لوقت الحاجة، ليهدد خصومه أو يعقد صفقة سرية معهم، بل يفقد حاسة أشد أهمية من المسؤولية، عندما لا يشعر بأي إحراج من التصريح بأمتلاك مثل هذه الملفات دون ان يكشفها أو يحيلها الى القضاء، وهذا ما سمعه المواطن العراقي من أطراف الأزمة المشتعلة منذ عدة اشهر.
قضية أخطر من تفاصيل الأزمة الحالية، بدأت تتشكل في الساحة، وهي ثقافة الإنهيار التي بدأت الكتل السياسية بثها في أجواء المشهد العراقي، فهي بهذا السجال المفتوح على كل شئ، وبهذه الأساليب المعتمدة، بدأت تلقن المواطن بأن الوطن لا وجود له، وأن العملية السياسية هي صراع سلطوي بلا ضوابط، وأن على المواطن أن يحمي نفسه بنفسه، وان يتعامل بعيداً عن القانون والدولة.
ربما تبدو هذه الفكرة متشائمة، وهي متشائمة بالفعل لكنها واقعية، فانهيار المنظومة القيمية للمجتمع لا تحدث دفعة واحدة، إنما تأتي على خطوات، والنخب السياسية تضع ـ بقصد او بدون قصد ـ عوامل الإنهيار.