والحوار الذي أعنيه ليس كلاماً ولا مجاملات إنما هو سلوك حضاري و لغة وثقافة يسعى لها كل صاحب حق وصاحب إرادة وقوة ، والحوار هو الطريق الوحيد الواجب إتباعه بين الأطراف المسؤولة أو التي تشعر بالمسؤولية تجاه العراق الشعب والدولة ، فالعراق هذا الذي نعرفه قيمة لايمكن التفريط بها من اجل رغبات ومزاج البعض من قليلي الحيلة .
نعم ثمة مايدعوني إلى تبني الحوار في هذه الأيام بين أطراف الصراع في العراق ، بعدما سمعت وتلقيت الكثير منهم وهو منخرط في تناكف هزيل جعله البعض منهم طريقاً له في التعريف عن حاله ، هذا التناكف عطل مشاعر الناس عن العمل وعطل أحاسيسهم عن الرغبة في الحياة وفي البناء والمشاركة والإعمار .
وأنا أعلم إن البعض لا يجد نفسه وكيانه من غير هذا التنازع إذ بدونه يكون عدماً هذا شعوره ، لكننا نقول لهذا البعض إن العراق وشعبه أهم بكثير من هذه الأحاسيس المريضة ، لهذا نقول للحكومة سيري على طريق الإصلاح والإعمار والبناء ، وهذا وحده الذي يشد الناس ويجعلهم أكثر حرصاً على مستقبلهم وعلى حاضرهم ، نقول للحكومة أجعلي الخير والنماء بيّن واضح يلمسه الجميع ويحس به ، وفي ذلك سد للذرائع وللحجج وللنقص في الخدمات وظيم السنيين ، نقول للحكومة لا تجعلي نفسك طرفاً في المماحكات والجدل السلبي دعي هذا لغيرك وتحدثي عن أستراتيجيات وعمومات تنفع ولا تضر ، ودعي التفاصيل للشيطان .
إذن فالذي نعنيه هو ترسيخ مفهوم الوحدة الوطنية وترسيخ ثقافة التعايش السلمي والإيمان بالسلام لأنه بوابة الأمن الحقيقي ، وليعلم البعض في العراق إن التغالب على المناصب شيء مذموم ويعبر عن نقص وعوز نفسي ودونيه ، لهذا كنا مع من يريد السلام ويتحدث عن الحوار تاركين الوسائل والآليات لمن يرغبون ، وحسبنا ذلك النموذج الذي نقترحه حول تصحيح قوانين الضمان والصحة والعيش الكريم لكل فرد ولكل أسرة ، هذا التصحيح في الوضع المعيشي سيمنع اللاهثين من الكلام عن الديمقراطية وعن الحرية وسيمنع ضعيفي النفوس من الضرب على وتر الطائفية والمذهبية .
من هنا نقول للجميع إن الحوار هو الحل ، لكل مشكلة أو معضلة لكن ذلك يتطلب حُسن النوايا والثقة بالآخر وعدم التخوين وعدم البتر أو الجز فالكل شركاء في هذا الوطن ، كما يجب ان يكونوا شركاء في بناءه وفي مستقبله ، ومن يتخذ له طريقاً غير ذلك فهو حر لكنه ليس شريكاً ولا سهيماً في مشاريع الوطن والمواطن .
أقول هذا لأني واثق إن أزمة العراق الجديدة التي تولدت بعد الكشف عن أفعال طارق الهاشمي هي أزمة نفسية دلت على عدم ثقة وقلق وخوف ، أنا لا أعرف طارق الهاشمي ولاغيره ممن ضج رافضاً لكني أعرف إننا بحاجة لتكوين الدولة الوطنية لا على أساس التراضي بل على أساس القناعة والإيمان ، التي يكون فيها الجميع سواء في العمل و في الحقوق و في الواجبات ، وأريد أفشارة هنا إلى إن الإحتماء بدول الجوار ليس حلاً ، فجميعنا يعرفهم ويعرف أغراضهم ونواياهم القديمة الجديدة ، لذلك لانجد من الحكمة ربط مصيرنا بما يريدون وبما يرغبون .
نعم التحرر والحرية لازمها الثقة بالنفس والإرادة والإيمان كما هو من غير زوائد ، والثقة تعني الإيمان بالروح لكن دون تآمر وخيانة وفساد في الأرض .
في الحوار يكون الحل حين تفتح الملفات الواحدة تلو الأخرى من غير فرق ، ليكون الشعب شاهد وشهيد عليها كي يحكم ويعرف بنفسه من المخطئ ومن المصيب ؟!! ، فبين الحق والباطل أربع أصابع ، والشعب يسمع ولايرى لذلك هو في دوامه من هو على الحق ومن هو على الباطل ؟؟ ، هذه الدوامة شرها مستطير قد لاتبقي ولاتذر حين يتعامى ضعيفي النفوس عن إرادة الخير والسعي لتحقيق المصلحة الجمعية .
في الحوار يكون الكلام له معنى ، وتكون الكلمة إن صدرت من إنسان حر شريف مسؤولة وذات بُعد في تحديد هوية العراق للحاضر والمستقبل ، وهل يكون واحداً أم أجزاء ؟ ! ، هذا هو بالتحديد مايجعلنا نريد الحوار ونطلبه ، سيما وإن الإيام في المناورة قليلة في حساب الزمن ، وإني أعني ماأقول لذلك فلنذهب للحوار بكرامتنا حفظاً لماتبقى وسعياً لكي يكون المستقبل أجمل ...
راغب الركابي