لم يفعل كمال أتاتورك ذلك دفعة واحدة، بل فعل ذلك على خطوات، مستفيداً من شعبيته العريضة، ومن تاريخه النضالي وبطولاته، فقد عرف عنه قائداً شجاعاً مستعداً للموت، وهو الوحيد من بين قادة الجيوش العثمانية الذي لم تتعرض قواته الى هزيمة عسكرية، كان تاريخه وشخصيته واخلاصه سبباً في وصوله الى السلطة بشعبية عريضة لدرجة أنهم اطلقوا عليه لقب أتاتورك أي (ابو الاتراك).
أدرك اتاتورك منذ أيامه الاولى في الحكم، أنه لن يحظى بدعم الدول الغربية ما لم يقدم على إنهاء الخلافة العثمانية، وإقامة نظام علماني يجتث الإسلام والقيم الاسلامية من المجتمع، وكان من أجل ان يبقى في السلطة عليه أن ينال ثقة الغرب الإستعماري الذي خرج عملاقاً يحكم العالم بعد الحرب العالمية الأولى، فواجه الخيارين اللذين يواجههما أي حاكم مسلم: هل يبقى على التدين والاسلام، أم يتحول عنهما؟.. وكما هي العادة أختار الثاني، وهو الذي ينتمي الى أسرة صوفية وهو الذي كان يحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، وهو الذي أسس حركة الجهاد الوطني لتحرير الاراضي التركية المحتلة من اليونان.
تحكي سيرة أتاتورك أن أول خطوة قام بها، هي دعوة الفرق الفنية اليونانية لتقوم بمهرجانات غنائية ماجنة في اسطنبول، وبعد هذه الخطوة بدأت الخطوات الأخرى.
في تركيا أتاتورك لم يعترض علماء الاسلام على خطوته تلك، كان مصطفى كمال هو البطل القومي الأول، ولم يتصوروا يومها أنهم بصمتهم على الخطوة الأولى تلك شجعوه على الخطوات التالية، فكانت النتيجة بعد سنوات، أن تحولت تركيا الى بؤرة الفساد الاخلاقي في المنطقة.