لا سبيل للاصلاح الاقتصادي والبناء الاجتماعي بغياب دولة المؤوسسات وحكم القانون وقوة الدولة من قدرتها المؤوسساتية والادارية في تصميم السياسات وسن الانظمة والقوانين ووضعها موضوع التنفيذ ليكون من واجب الدول الدفاع عن مواطنيها وحفظ امنهم وواجبها الانساني هي حمايتهم من الفقر والعوز والجهل والامية والمحافظة على ثرواتهم ومواردهم , فالمؤسسات لا تزال منخورة بالمحاباة والمجاملات واستغلال النفوذ والمحسوبية والحزبية وهذا ما غيب النظام المؤوسساتي الذي يقوٌم ذاته في أطر الدولة الحديثة , فالدولة مؤوسسة انسانية قديمة يرجع عهدها الى عهود المجتمعات الزراعية التي نشأت في بلاد ما بين النهرين فقيام اول دولة كان على اساس الانسانية ورعاية المصالح المشتركة للمجتمع والدولة الحديثة ترتبط ديمقراطيتها بالادارة الجيدة للحكم واحترام المواطنين كي يكونوا رأس مال اجتماعي وقصور الحكم او الابتعاد عن مطالب المواطن من ضعف المؤوسسات يكون عقبة خطيرة امام التطور الاقتصادي ونهوض السيادة الوطنية والقرار السياسي بحاجة الى نية صادقة وصدق في الشعارات لحل المشاكل الكبيرة التي يعيشها المجتمع وهذا بحاجة الى تجزئة المشاكل والبدء بالمحافظات الاكثر مظلومية ومحرومية لتكون نموذج لبقية المحافظات بعد ان ذاقت الويلات والحروب لتفرض عليها ان تكون ساحات للقتال ولم تنتهي اثارها لحد اليوم بوجود الاشعاعات والاخطار التي تولدها الالغام ففي ميسان وحدها ما يقارب ٥ ملايين لغم ومقذوف وتشغل مساحات كبيرة لتكون عدو صامت وموت مؤجل بأخطر الامراض وعملية تجفيف الاهوار جريمة كبيرة ارتكبت بحق اهل الجنوب وميسان خاصة وهذه الاهوار موطن الاسماك والجاموس ومصدر للتوازن الحراري في العراق ووحدها يمكن ان تجهز ٣٠ الف طن من مجموع ٣٥ الف طن سنوياً في العراق وهذا ما سوف يوفر كمية كبيرة منها في حال عودة الاهوار وخفض اسعار اللحوم والخضروات في كل انحاء العراق وفيها ما يقارب ١٢٠ الف دونم من الاراضي المسطحة وتجفيف الاهوار ولد انقراض الاسماك واصابتها بالامراض نتيجة الحموضة والملوحة من توقف جريان المياه وهذا ما يسبب العقم عند الاسماك وكذلك الطفيليات وعند حصرها بالاحواض فانها تصاب بالبكتريا اما الجاموس فهو الاخر مهدد بالاتقراض نتيجة هذا الجفاف اضافة الى طبيعة الحياة التي يعيشها مربيها وكونهم مواطنون رحل لا يعرف مكان لاستقرارهم لذلك فهم لم يشملوا بأي منحة زراعية او قرض للحفاظ على ثرواتهم لعدم وجود ضابط قانوني ومسكن ثابت ويمكن حل مشكلتهم بأسكانهم وتمليكهم الاراضي وتعويضهم واعطائهم المنح الكافية لبناء بيوت وايصال الخدمات لها كي يستطيعوا النهوض بواقعهم ومن خلال استقرارهم تستطيع الفرق الصحية زيارتهم بصورة دورية كي يمكن معالجة الامراض الخطيرة التي تصيب الحيوانات كالحمى القلاعية والحمى النزفية و هي من الامراض القاتلة للحيوان والانسان , ومن خلال هذا التأهيل للمحافظات الاكثر تضررا يمكن النهوض بالواقع الاقتصادي الاجتماعي لتلك المحافظات خاصة والعراق بصورة عامة وهذا التأهيل والنظر الى المدن المحرومة الواحدة تلو الاخرى ليس من المفترض ان يخضع للمزايدات السياسية والمقايضات لان ارتباط هذا الواقع الاقتصادي ونهوضه دليل على نمو الديمقراطية في العراق وتنامي المؤسسات فلا مزايدات على حقوق المواطن ولا مجاملات على حساب وسائل العيش وان واجب الدولة الانساني يتطلب البدء بمن هم اكثر محرومية وتصميم سياسات تحمل ذلك القدر من المسؤولية تجاه الجميع ..