لقد مثـَّلت ثورة زيد بن علي عليهما السلام حافزاً حفـَّز الجماهير العريضة بأن تنتفض بوجه الحكـّام الظلمة الذين يُصادرون حرّيّتها وانتماءها إلى خط الرسالة الحقيقي، فقد عكست هذه الثورة المبرر الأكيدً بضرورة إسقاط النظام الفاسد في كل حين.على هذا فإنّ شهادة زيد عليه السلام لا تمثل انتكاسة للخط المعارض لسلطة الأمويين ؛بل أحيّت الأمل في نفوس الملايين بانتصار عاشوراء الدم والشهادة ،وأعادت إلى أذهان المتسلطين أنّ غضبة الجماهير لا تـُقمع ،أو أن قمعها لن يطول .
وكان زيد بن علي يمثلُ نبض الأمة في رغبتها بالتخلص من كافة أشكال العبوديات المصطنعة باسم الإسلام ،ولذا تجد التفاف الجماهير على اختلاف توجهاتها وانتماءاتها مع هذا الثائر الضرغام،وابن الأسود الهمام. وكانت الساحة الإسلامية بحاجة حقيقية إلى (زيد) بين حقبة وحقبة ليجدد لها حياتها وديمومتها وعنفوانها ،بأن يأخذ بأيديها نحو الانقضاض على أوكار الفساد السياسي والاقتصادي ومزوّري الحقائق في أعين الجماهير .
ولقد كانت سلطة هشام متيقظة لهذا الالتحام الجماهيري فعمدت إلى الحرب الإعلامية وصولاً إلى تفتيت عضد الثورة عاجلاً، وهذا هو ديدنُ الحكام الظلمة حينما تتعرّض عروشهم للاهتزاز بفعل غضبة المظلومين ،فكانت المحاولات تنشط في شق الصف الزيدي من خلال إثارة النعرة التفريقية ،لينشغل الثائرون بمعالجة جروح يمكن أن تُوصف بالثانوية ، تاركة الجرح الكبير ينخر في جسد الأمة ،وهو الأمر الذي استثمره العباسيون فيما بعد. إلاّ أنّ الثورة ظلت ناراً مستعرة في أنفس الجماهير ما جعل العباسيون يستثمرون هذه الروح لتحريك مشاعرها باتجاه ضرورة القضاء على أوكار الظلم الذي مثله الأمويون خلال حقبتين ، الحقبة السفيانية ،والحقبة المروانية. ولا عجب في ذلك فقد اعتادت الساحة الكوفية على مثل هذه الحرب الإعلامية حينما تمكنت سلطة ابن زياد من قبل بتفتيت عضد الجماهير العراقية التي التفت تحت راية السفير الحسيني إليهم .ومن بعده المختار الثقفي كذلك ؛بل الحسين نفسه، ولقد ارتكزت هذه الحرب على التشكيك في مشروعية النهضة ووصفتها بأنها خروجٌ على المشروعية ،حتى وكأنّ مثيري هذه الحملات الدعائية يدينون بالولاء لهذه المشروعية، التي لا يُمثلها غير الإمام الحق، أكثر من غيرهم، ليتوهم العوام بصدق مقالتهم وصدقية شعاراتهم ،فيتناولها المغرضون من بعدُ بأقلامهم على أنها تأريخٌ أسودٌ .والغرض العام من وراء ذلك هو تأخير وعرقلة عزم الجماهير بالنهوض مرة أخرى ،والخنوع للظلم على أنه أمرٌ واقع لا سبيل إلى اجتيازه وتخطيه . وحين تتكشف اللعبة فإن الغطاء الفقهي جاهزٌ لتغطية مختلف صنوف الجرائم تحت مقولة : الخطأ نتيجة الاجتهاد !