عندما تمسك كنترول الفضائيات العراقية تجد العراق بتراثه وحضارته الممتدة في عمق التاريخ مختزلاً بالحديث عمّا قاله فلان السياسي عن الفلان السياسي الآخر، فعراق سومر وأكد تحول في ليلة وضحاها إلى عراق فلان وعلان وآراؤهما الشخصية! بل حينما تسأل عن سبب الصراع والخصام يقولون لك "هكذا السياسة، سياسة بلا أزمة لا يمكن أن توصف بالسياسة"!
الآلاف من أسئلة المواطنين تنزوي في قفص العراق الأسود بلا أجوبة أو وقوف عند أحلامها البريئة، والهوة بين المواطن والمسؤول تكبر يوماً بعد آخر كموسم خريف تتساقط فيه أوراق الثقة على طاولة الندامة والعتاب.
التنمية الاقتصادية، التعليم المتطور، الطاقة البديلة، الخدمات والصحة، الأمن والاستقرار، التقدم والازدهار، الصناعة واستثمار العقول.. كلها والعشرات من الملفات الأخرى معطلة في ضوء ما يسمى بـ(العملية السياسية).
الرؤية السياسية غير واضحة، والسياسة الاقتصادية متوقفة بسبب جدلية الأمن والإرهاب، وإعمار البلاد واستصلاح أهلها قائم على تقدير المصالح الخاصة وجيوبها المتخمة، والبلد يسير في نفق مظلم في غياهب التغييرات والتحديات الإقليمية والدولية المتسارعة.
سقوط نظام الأسد كان بالأمس تهديداً لحزب الله في لبنان، أمّا اليوم فإن ذلك التهديد تحوّل إلى فرصة استطاع حزب الله من تهيئة مقومات استثمارها في الوقت الملائم عندما تعامل بحنكة ودراية مع الموقع الجيوسياسي الذي يربط طرطوس واللاذقية (العلوية) بسلسلة جبال تمتد عبر شمال العراق وتركيا مع إيران، فضلا عن تخزينها للأسلحة الكيمائية والجرثومية المتطورة.
وكذلك تركيا التي بدأت تنظر إلى ما يسمى بـ(الدولة الكردية في العراق) منجماً نفطياً ومنفذاً اقتصادياً كبيراً سيمكّنها من التفاوض واستفزاز جنوب العراق بمياه دجلة والفرات بأريحية تركية خالصة.
الجميع يستعد للأزمات بتخطيط ورؤية ثاقبة يعملان على تحويل التهديد الى فرصة ومواجهة الضعف بنقاط القوة، فللوهلة الأولى حينما تستعرض أزمة سوريا وجدلية الدولة الكردية تجد العراق مكتوف الأيدي ومسلوب الإرادة في التغيير أو المواجهة.. كل ذلك لأن حكومته غارقة في مستنقع التحديات والنزاعات السياسية التي لا حصر لها.
ليس من الصحيح التفاؤل بمستقبل العراق فقط من أجل التفاؤل والحفاظ على مشروعه التغييري، استشعار الخطر وتشخيصه من ضروريات الإيمان بنظام عراق ما بعد صدام، فالنجاح في السياسة لا يمكن أن يقاس في كسب الجولة الأولى وإنما العبرة عند انتهاء المعركة التي ما زالت في ريعان بركانها الهائج.
أيام العراق (المجهول) حبلى بالمتغيرات السريعة والمتقلبة، فالمنطقة بدأت بالغليان الطائفي والسخط العراقي ما زال يرزح تحت ضغط الفساد الإداري والمالي وانعدام الخدمات، ومن يراهن على إيمان الشعب ووعيه بالتحديات من دون أن يقارنه برغيف يوميه فهو في خسران مبين.
"سَبـعُ دجاجـاتٍ
وديكٌ واحِـدٌ
مُستَهْـدَفٌ للرغبـةِ العمـلاقَـةْ
تنثُـرُ حَـبَّ الحُـبِّ في أحضـانِـهِ
وخَـلْفَهـا الأفـراخُ تشكو الفاقَـةْ"
(احمد مطر)
Alaa_almosaowy@yahoo.com