لقد اتخذ نظام صدام نظرية (ولاية الفقيه) التي تبناها الإمام الخميني رضوان الله عليه ذريعة لمحاربة الجمهورية الإسلامية ، حرباً لا هوادة فيها ،وقد عاضده في ذلك (الرعيل العربي) أنظمة وشعوباً معاضدة لم تكن خافية على أحد ، حتى حقَّ علينا أن نسمي تلكم الحرب بالحرب العربية الإيرانية ،بدلاً ممّا أسماها النظام الحرب العراقية الإيرانية ،فصوَّر الإعلام العربي والعراقي أنّ(ولاية الفقيه) هي موجةٌ فارسية تهدف إلى تقويض النظام العربي ،على هذا فإنَّ على العرب أن (يوحدوا) صفوفهم تحت عباءة التوجه القومي لنظام البعث في العراق وصولاً إلى صدّ هذه العاصفة الثلجية القادمة من الشرق ،وذلك بجعلها لا تتجاوز الحدود الإقليمية لبلاد إيران في أقل تقدير . واستجابة إلى هذه الدعوة القومية هبَّ (الأشقاء)من مصر ومن السودان ومن اليمن ومن الأردن ومن فلسطين ومن لبنان ومن غيرها لمساندة نظام الجبابرة في العراق في حربه التي أعلن عنها بوضوح أنها نيابة عن الأمة العربية. وتبعاً لذلك فقد خيّمت على الإنسان العراقي مظاهر اليـُتم والإذلال والتملق لأولئك(الأشقاء) فرضتها جملة من التشريعات واللوائح التي أصدرها النظام لتهيئة الأجواء النفسية أمام القادمين من هذه البلدان الذين جُعلوا قوّامون على الرجال والنساء والأولاد تحت شعار(صدامنا صدام كل العرب) !
وما أن سقطت المؤسسة البعثية ،وانهار النظام الورقي في العراق ،حتى تعالت الصيحات هنا وهناك بضرورة تبني (الأشقاء) (لولاية القومي) على العراق على غرار (ولاية الفقيه) التي شنوا عليها حرباً مدمرة . فكانت الدعوات تندد بالعراقيين وتتكلم بلسانهم وتدفعهم باتجاه ضرب ما تبقى من دعائم البنية التحتية في العراق ،ثم قتل المئات في كل عملية بدعوى مقاومة المحتل وطرد جنوده من أرض العرب التي جعلها صدام أرضاً لكل العرب يعيثون فيها فساداً تحت عباءة (الولي القومي) متمثلاً بحشد سيء من مختلسي الفضيلة والسؤدد الذين نصبوا أنفسهم ناطقين باسم الربّ تبارك وتعالى، يُكفرون هذا ،ويقبلون ذاك ،وما يقبلون إلاَّ مَن يسعى إلى تبني فكرة خيرات( أرض الرافدين) للعرب ، وقد صار الإسلام غطاءً ورداءً يرتديه كل من شعر بسقوط الشرف الصدامي عنه وعن أسرته ،وإن كان من الكافرين الجاحدين بالله وبما أنزله إلى أهل الأرض ،ليسوغ له ممارسة شتى أنواع الإرهاب ،ومختلف طرق القتل ،حتى صار الإرهاب لا يُعرف إلاّ بالإسلام !
في العام ٢٠٠٤ التقيتُ شخصاً صار بعد أيام وزيراً في حكومة علاوي ،فلما عرفني قال لي : ساعدكم الله على طرد المحتل من مدينتكم وأرضكم . وهنا سألته : أي محتل تقصد ؟ فأجابني : المحتل الأمريكي . فقلتُ له : هذا صحيح ولكن يوجد محتلون آخرون غير المحتل الأمريكي فكيف يمكن الخلاص من هؤلاء دفعة واحدة ؟ قال : هؤلاء عرب ولا ضير من مجيئهم إلينا . فقلت له لكن الاحتلال لا جنسية له، وهو يتحقق إذا فرض المحتل( الفاعل) إرادته بالقوة على المحتل(المفعول به) ،وفي هذه الحالة لا فرق بين محتل أجنبي أو عربي أو محلي ، ألم تزخر الشوارع والحارات بثقافة الاحتلال يمارسها عـِياناً الناس المدنيون على بعضهم البعض؟ ألم يقم الكثير من ملاّك الأراضي الزراعية احتلال أراضٍ مجاورة لهم داخل الريف العراقي؟ ألم تقم بعض الدوائر الحكوميـــة باحتلال بعض الممتلكات العامّـــة بعنوان المصلحة العامة ؟ ألـــم تقم دوائر البلدية باحتلال مساحات شاسعة من المدن بعنوان (المساطحة) في وقتٍ يعاني العراق من أزمة أزلية هي أزمة السكن ؟ هذه كلها مظاهر للاحتلال !