ويشير الكاردينال دلي في كلمة له وجهها الى ابناء الشعب العراقي في اطار التعبير عن الموقف الرافض للاساءات التي وجهت الى النبي محمد بن عبد الله (ص) الى "اننا نعتقد ان غاية القائمين على إنتاج هذا الفيلم هو اثارة الفتنة الطائفية في العالم وخصوصا في العالم العربي وهو يمر بظروف صعبة تستدعي من كل المؤمنيين بالله الحذر من تلك المخططات الشريرة التي تستهدف الوحدة الوطنية وجر كل بلدان المنطقة إلى اتون الحرب الطائفية التي اكتوت شعوبنا بنارها".
لايبدو مثل هذا الموقف العقلاني والسليم غريبا على المكون المسيحي ومن يمثله من رجالات دين ونخب سياسية واجتماعية، لان الصورة العامة للنسيج الاجتماعي العراقي الذي يشكل المسيحيون نسبة ٣% منه، تمتاز بأطارها العام بالانسجام والتجانس، ولعل تجرية الاعوام العشرة الماضية التي شهدت الكثير من عوامل الشد والشحن الطائفي والقومي والديني في العراق، اثبتت ان التعايش هو السمة البارزة بين العناوين الاجتماعية المختلفة في العراق، وما سواه يعد حالات طارئة ودخيلة ترتبط في مجملها بأجندات ومشاريع خارجية لاتصب في مصلحة اي مكون من المكونات، وهذا مايقوله ويتفق عليه الجميع، من المسلمين والمسيحيين والايزيديين والصابئة، ومن الشيعة والسنة، ومن العرب الاكراد والتركمان والشبك.
قبل اكثر من عام، وتحديدا مطلع ىشهر تشرين الثاني-نوفمبر من عام ٢٠١٠ تعرضت كنيسة سيدة النجاة في منطقة الكرادة الشرقية بالعاصمة بغداد الى عمل ارهابي كانت يقف ورائه تنظيم مايسمى بدولة العراق الاسلامية التابع لتنظيم القاعدة، وقد اسفر ذلك العمل على سقوط عشرات من اتباع الديانة المسيحية، ولعل المواقف وردود الافعال التي ظهرت من اوساط المكون الاسلامي-بشقيه الاسلامي والعلماني-كان لها اثر معنوي كبير في التخفيف من حدة ووقع الصدمة على المسيحيين من جانب، ومن جانب اخر ساهمت في تعزيز اواصر الترابط الوطني والثقة بين ابناء الشعب الواحد.
ولم تكن عملية استهداف كنيسة سيدة النجاة، هي المؤشر الوحيد على طبيعة التعاطي والتعاطف الاسلامي في العراق مع المكون المسيحي، بل ان مجمل عمليات الاستهداف لاماكن العبادة، وللاشخاص التي كانت-ومازالت-جزءا من موجة الارهاب الموجه ضد العراق، قوبلت بمواقف واضحة ومعبرة وقوية، مثلها مثل المواقف حيال استهداف اماكن العبادة الاسلامية ومراقد الائمة والصحابة.
ولايختلف موقف المسيحيين حيال الاساءة للرسول الاكرم محمد (ص) عن مواقف مكونات دينية اخرى مثل المكون الايزيدي، اذ اصدر مرجع الايزيديين بابا شيخ خرتو حاجي اسماعيل بيانا قال فيه "ان الطائفة الايزيدية تعلن عن اسفها لقيام بعض الذين لايحترمون حرمة الاديان ورموزها بأنتاج فيلم يسيء الى رسول المسلمين .
، ومانتج عنه من ردود فعل غاضبة اسفرت عن مقتل واصابة العديد من الابرياء".
ويضيف الشيخ حاجي اسماعيل في بيانه قائلا " ندين اللجوء للعنف وندعو الى التعقل واللجوء الى الحوار من اجل حل هذه المسألة وتجنب استخدام العنف لانه لايجلب سوى الخراب والدمار للبشرية".
وحالهم حال المسلمين والمسيحيين وغيرهم من مكونات المجتمع العراقي لم يكن ابناء الطائفة الايزيدية الذين يقطن غالبيتهم في قضائي سنجار وشيخان التابعين لمحافظة نينوى شمال العراق، بمنأى عن الارهاب، فقد تعرضوا لاستهدافات متعددة ربما كان اكثرها فداحة بالنسبة لهم ماحصل في منتصب شهر اب-اغسطس من عام ٢٠٠٧، حينما اوقعت مجموعة عمليات ارهابية حصلت في القضائين المذكورين عشرات الضحايا من الايزيديين، الذين وجدوا تعاطفا كبيرا معهم من قبل المسلمين، قياداتا وعلماء ونخبا ورأي عام.
ولاشك ان التعبير عن مواقف موحدة ومنسجمة ومتزنة حيال الاساءة لرمز ومقدس ديني عظيم كالنبي محمد (ص)، او السيد المسيح (ع) كما حصل في وقت سابق، في مجتمع متعدد الاديان والقوميات والمذاهب والاعراق مثل المجتمع العراقي، يعكس احترام متبادل للمقدسات والمعتقدات والقيم الدينية، ورغبة حقيقية في التعايش بسلام واخاء ومحبة، وادراكا لحقيقة مايخطط له الاعداء من مثيري الفتن ومروجي الصراعات والحروب.