مانقل الحراك الى السليمانية التي تعد المعقل الرئيسي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، هو عودة الرئيس العراقي جلال الطالباني يوم الاثنين الماضي من رحلته العلاجية في المانيا التي دامت ثلاثة شهور، كانت خلالها مختلف الازمات بين الفرقاء السياسيين تدور في حلقة مفرغة، وراح الجميع تقريبا يرددون عبارة "نحن في انتظار عودة الرئيس الطالباني الى البلاد".
الاجتماع الوطني المزمع عقده منذ وقت طويل مؤجل بأنتظار عودة الرئيس، وحسم ورقة الاصلاحات المقدمة من قبل التحالف الوطني بأنتظار عودة الرئيس، وهكذا الامر بالنسبة لجملة من الملفات والقضايا الشائكة والمعقدة.
واخيرا عاد الرئيس الطالباني، ومن الطبيعي جدا ان تحظى عودته بأهتمام واسع من مختلف الاوساط والمحافل السياسية وغير السياسية بأشكال وصور ومظاهر مختلفة، ارتباطا بموقعه الاول في الدولة، وموقعيته ومكانته السياسية، وعلاقاته المنفتحة والمرنة مع الجميع.
كان اول المرحبين بعودة الطالباني من رحلته العلاجية هو المرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد علي السيستاني، اذ اتصل مكتبه بمكتب الرئيس الطالباني ناقلا "ترحيب المرجع الاعلى بعودة الرئيس الى ارض الوطن من رحلته العلاجية وتهانيه وامله بالشفاء التام، وتمنياته بالتوفيق للجهود الخيرة التي يواصل الرئيس بذلها من اجل حل المشاكل العالقة في العراق".
وكان اول الزائرين للطالباني هو رئيس الوزراء نوري المالكي الذي ترأس وفدا حكوميا كبيرا ضم نائبيه صالح المطلك وحسين الشهرستاني، وعددا من الوزراء ونواب البرلمان والمستشارين، وترأس رئيس وزراء اقليم كردستان نيجرفان البارزاني وفدا من الحزب الديمقراطي الكردستاني ضم مسرور البارزاني وفاضل ميراني وقيادات اخرى، فيما زار رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم الرئيس الطالباني في السليمانية برفقة عدد من الشخصيات السياسية والدينية والبرلمانية العراقية مثلت طيفا واسعا من المشهد السياسي العراقي، وكذلك من المقرر ان يزور السليمانية رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي، الى جانب شخصيات اخرى رسمية وغير رسمية.
وكل ذلك يعني ان السليمانية ستكون خلال هذه الايام محطة اخرى لنقاش وجدل وسجال سياسي طويل، فالزعماء السياسيون حينما يلتقون عند الرئيس الطالباني، لن يكتفوا بالاطمئنان على صحته وتهنئته بسلامة العودة، بل لابد ان تطرح مختلف القضايا-لاسيما الخلافية-وان بصورة اجمالية.
ولاشك ان تقديرات التفاؤل بعودة الطالباني تتداخل مع تقديرات التشاؤم، ولايمكن القطع بأن كفة واحدة منهما يمكن ان ترجح على كفة الاخرى بوضوح.
الذين يبدون متفاءلين بعودة الطالباني هم لايمثلون مكونا او عنوانا سياسيا محددا، وانما يرتبطون بعناوين سياسية متعددة، وبعض تفاؤلهم يستند على اسس ومرتكزات منطقية، وبعضه الاخر لايتعدى نطاق الرغبات والتمنيات.
النائب عن ائتلاف دولة القانون شاكر الدراجي يقول "ان زيارة المالكي للطالباني ، وان كانت تندرج في اطار الزيارات الطبيعية بعد عودة الرئيس من رحلة علاج، الا انها يمكن ان تكون احدى بوابات حل الازمة من خلال ماسوف يطرح فيها من تبادل للاراء والافكار".
في حين يرى النائب عن القائمة العراقية حمزة الكرطاني "ان عودة الرئيس طالباني الى البلاد ومباشرته اجراء حوارات سياسية امر نعتبره بالغ الاهمية، الا ان هذا كله لن يكون له تأثير كبير ما لم يتم تعزيز الثقة المفقودة بين الشركاء السياسيين هو ما يمكن ان يؤسس لبناء دولة حديثة".
ومايعزز نبرة التفاؤل المشوبه في بعض الاحيان بحذر وقلق وخوف بعودة الطالباني، الموقع الرسمي الذي يشغله، وعدم دخوله –كشخص-طرفا مباشرا في عموم الازمات، لاسيما ازمة سحب الثقة من المالكي التي هيمنت على الاجواء السياسية في العراق طيلة عدة شهور، وقدرته على التواصل مع كل الفرقاء والخصوم تقريبا، سواء الاكراد، او القائمة العراقية او ائتلاف دولة القانون او الائتلاف الوطني العراقي.
بيد ان ذلك كله لايكفي بالطبع لحل كل العقد ومعالجة كافة الاشكاليات، وترميم جدار الثقة المتصدع، فالطالباني كان موجودا على الارض قبل سفره للعلاج منتصف شهر حزيران-يونيو الماضي، وتحرك وطرح مبادرة للحل، لكنه لم ينجح في تحقيق نتائج ملموسة على الارض، لاسباب عديدة وظروف معقدة، من بينها ان حزبه دخل في لعبة الاصطفافات والتحالفات، سواء كان مقتنعا بالكامل او مرغما عليها بمقدار معين، ناهيك عن ان حجم الخلافات والاختلافات وتعدد نقاطها ومحاورها، وتداخل المواقف ازائها، وتدخل اطراف وقوى خارجية، جعل من الصعب بمكان الخروج بحلول سريعة ومرضية ومقبولة للجميع.
"الطالباني لايملك عصا سحرية".. هكذا يقول السياسي الكردي المستقل والنائب في البرلمان العراقي محمود عثمان، وهذا صحيح جدا، فما يستطيع الطالباني فعله هو التحدث الى جميع الفرقاء وربما جمع البعض منهم-وليس كلهم-حول طاولة واحدة، وحسم القضايا التي تأتي في المرتبة الثانية او الثالثة من حيث الاهمية والحساسية.
ويضيف عثمان قائلا "انه لم يكن ضروريا لمن يريد العمل الجاد والحقيقي ان ينتظر الرئيس جلال الطالباني ثلاثة اشهر لكي يعمل على حل الازمة.. وبالتالي فأن انتظار عودته يمكن ان تكون مجرد حجة ودليل عدم جدية من قبل الكتل لايجاد حل حقيقي للازمة".
ويشير النائب عثمان بتهكم "ان ما نخشاه الان هو ان يقولوا لننتظر بارزاني -رئيس اقليم كردستان-حيث انه سافر ايضا.
وبالفعل فأن توقيت زيارة رئيس اقليم كردستان لتركيا واوربا تزامنا مع عودة الطالباني، يثير جملة تساؤلات واستفهامات، عمد قياديون في حزب الطالباني الى الاجابة عنها سريعا، بالقول ان "الرئيس بارزاني تلقى دعوات رسمية من عدد من الاحزاب والدول الاوربية لحضور مناسباتها، وقد تشاور مع الرئيس طالباني هاتفيا وابلغه بضرورة سفره لتلبية تلك الدعوات لان مواعيدها قد حانت، وهذا يعني ان سفر بارزاني جرى بالتنسيق مع طالباني وليس هناك مشكلة بهذا الصدد".
بيد ان مغادرة البارزاني في هذا الوقت بالذات يمكن ان تقرأ من زاوية اخرى، تتمثل في انه اراد ان يتجنب حرج اقحامه المباشر في الحراك السياسي الذي تولده عودة الرئيس الطالباني، ناهيك عن ان مغادرته تنطوي على اشارة ضمنية مفادها انه مازال على موقفه المتشدد من رئيس الحكومة الاتحادية نوري المالكي، وانه يشعر بعدم الارتياح من "خذلان" حليفه الطالباني له في مشروع سحب الثقة.
ولاشك ان غياب البارزاني ومعه غياب علاوي والصدر في هذا الوقت بالذات عن "حراك السليمانية السياسي"، من غير الممكن قراءته بعيدا عن واقع وافاق العملية السياسية وازماتها واشكالياتها المزمنة والمتلاحقة والمتزايدة.
ومن شبه المؤكد ان الطالباني حتى الان سمع الكثير من الرؤى والتصورات والاراء والافكار المتضاربة والمتقاطعة، وسيسمع المزيد منها في الايام المقبلة، وسيجد نفسه غارقا فيها حينما يصل الى بغداد الاسبوع المقبل او الاسبوع الذي يليه.
مشروع سحب الثقة وان كان قد خف بريقه، الا انه مازال يمثل ورقة يلوح بها البعض بين الفينة والاخرى، وورقة الاصلاحات تخضع لشد وجذب، والتنازلات التي قدمها المالكي مؤخرا لخصومه من الاكراد والسنة في القائمة العراقية، بخصوص ضوابط تصدير النفط ودفع مستحقات الشركات الاجنبية، واعادة اعداد كبيرة من الضباط السابقين من محافظات الموصل والانبار وتكريت الى الخدمة، وتعليق-او الغاء-اجراءات المساءلة والعدالة بحق اعداد من الاساتذة الجامعيين في جامعة الموصل، وغيرها، هذه التنازلات يرى فيها البعض انها نوع من الانحناء للعاصفة ليس الا، لاسيما بعد صدور حكم الاعدام بحق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي وما افرزه من مواقف وردود افعال سلبية ، ويرى فيها اخرون بأنها اسلوب لتفكيك كيانات الخصوم واضعافهم وتشتيتهم لانها لم تمر عبر مسارات الاتفاقات والتوافقات، اضف الى ذلك فأن هناك جدلا وسجالا حادا تحت قبة البرلمان وخارجها بشأن مجموعة من مشاريع القوانين الخلافية، مثل قانون العفو العام، وقانون المحكمة الاتحادية وقانون الاحزاب، وقانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات-الذي تم اقراره مؤخرا بخلاف ماكان يسعى اليه ائتلاف المالكي-وقانون النفط والغاز، ناهيك عن الاوضاع الامنية المرتبكة جدا في العاصمة بغداد ومدن اخرى، والمشهد الاقليمي الغامض والمشوش الذي يلقي بظلاله على المشهد العراقي ليضيف اليه ارتباكا وتخبطا وتنافرا اكثر واكبر واخطر.
مالذي يمكن ان يفعله الرئيس الطالباني العائد من برلين الى السليمانية في مشهد من هذا القبيل؟.. بالتأكيد انه يرغب في فعل الكثير وسيحاول، لكن يبقى الشك في تحقيق النتائج المرجوة قائما ومبررا.