بل تمثل اساساً انتقال الريف بعاداته وعشائره والكثير من ممارساته الاقتصادية والاجتماعية الى المدينة.. متواصلين غير منقطعين عن مواطنهم وقراهم، فأثروا وتأثروا.. فما تراجع هو القطاعات الحقيقية ومنها الزراعة، لمصلحة اقتصاد ريعي نفطي محوره المردودات السهلة التي توزعها الدولة. وعندما يختنق اقتصاد الاخيرة ويتعطل، تمتليء البلاد بملايين العاطلين. وعندما تتراجع الاراضي المزروعة لتصل (٢٠٠٩) الى ٢٠.١% من الاراضي الصالحة، حسب (الفاو)، فان الموت البطيء سيضرب الريف، وستتوافد الهجرات المليونية لتستقر في مدن الصفيح لتنتج بطالة واسعة.. وعمالة هشة في حقوقها وكفاءاتها ومستقبلها، لا تؤطرها مؤسسات اقتصادية ونشاطات قوية ورصينة.
وانتظاراً لتغير السياسات الخاطئة الموغلة في الانحراف الذي قاد لهذه النتائج، يمكن القيام باصلاحات ممكنة ومطلوبة.. والاصلاح الريفي احدها.. وهذه ستحمي ثلث السكان وتوقف مصدراً مهما لنمو البطالة وتمتص جزءاً كبيراً منها.. لاسيما والتفضيلات ادناه تساعد ولا تعرقل اية سياسة اخرى مطلوبة..
١- يمكن لعامل التواصل بين الريف والمدينة ان يتحول من السلب للايجاب، بحركة معاكسة سهلة نسبياً، بتوفر عوامل جذب مضادة في الارياف.
٢- الاموال مهمة، لكن الاصلاحات الريفية تتعلق اساساً بنظام العلاقات الزراعية وبسياسات ادارية وتسليفية وبتشريعات الملكية اساساً.
٣- ان معامل رأسمال/عمل -في ظروفنا- قد يكون اعلى في الارياف، مما في غيرها.
٤- يسهل نسبياً اصلاح الاراضي البور حسب رأي الاخصائيين.. وان تشغيل وصيانة شبكات الري والبزل القائمة، من شأنه احياء ملايين الدونمات.
٥- ستحرك الصناعات التحويلية البسيطة والمشاغل السهلة عمالة وخبرات متوفرة لكنها معطلة.. فتساهم كبدائل استيراد، واستيعاب العاطلين، وتصنيع وتسويق المنتجات الزراعية والحيوانية.
٦- يمكن للادارات المحلية والخبرات والاموال المتوفرة بسهولة نسبية انشاء المدارس والمستوصفات ودور السكن المناسبة ومد شبكات المياه والمجاري والكهرباء والطرق الريفية.
ماذا لو بدأنا بذلك، وتوفرت عوامل جذب متزايدة ليسكن الارياف نصف السكان.. اي هجرة مضادة طوعية لـ (٤-٥) مليون مواطن.. يستقرون في قراهم وبين اهليهم.. عندها سيخف النزف الجاري.. ونوفر شروطاً افضل لتحديات المستقبل.
افتتاحية صحيفة العدالة/ بقلم الدكتور السيد عادل عبدالمهدي