لقد صوت مجلس النواب بجلسته الإعتيادية (٣٤) المُنعقدة يوم الأثنين الموافق ٩/٤/٢٠١٢ على إختيار أعضاء مجلس المفوضين للمفوضية العليا لحقوق الإنسان ، وبجلسته الإعتيادية (٤٠) المُنعقدة يوم الأثنين الموافق ٧/٥/٢٠١٢ على إختيار إعضاء الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة ، وبجلسته الإعتيادية (٢٣) المُنعقدة يوم الأثنين الموافق ١٧/٩/٢٠١٢ على إختيار إعضاء مجلس المفوضين للمفوضية العليا المستقلة للإنتخابات ، والمفارقة الأكبر هي كل هذه التعيينات * ( التي حصلت جميعها في يوم الأثنين الأسود أهذه مجرد صدفةً ! ؟ ) لم تراعي تمثيل الكرد الفيليين وجريمة إبادتهم الجماعية من باب إعادة الإعتبار إليهم وإزالة الآثار السيئة عنهم بعد إقصاء وتهميش طول عمر الدولة الدكتاتورية السابقة ولأكثر من (٨٠) ثمانين عاماً ، فمن خلال ربط الأحداث مع بعضها البعض وصدور العديد من القرارات والتشريعات الخاصة بإعادة الإعتبار إلى الكرد الفيليين وكان أول رد فعل لتطبيقها من ناحية أدبية وأخلاقية هي مسألة توليهم المناصب القيادية كحال غيرهم من مكونات الشعب العراقي ولكن أتضح بأن القضية مجرد ذر الرماد في العيون من خلال إستبعادهم بإصرار وترصد في داخل أروقة مجلس النواب العراقي ذاته وصعوبة الدفاع عن حقوقهم نظراً لعدم وجود نائب عنهم أصلاً بعكس غيرهم من المكونات والأقليات التي لديها ممثلين ، وما زاد الطين بلة هو تناحر القوى الفيلية الحزبية المتهرئة في الساحة السياسية وضعف أدائها وتنظيماتها وعمقها الشعبي وإبعادها للعناصر المثقفة والعلمية والأكاديمية وإفتقارها للعمل المؤسساتي والتنظيمي والإعلام المخطط والمبرمج والخبرة المُتراكمة والتجربة الحقيقية والثقة والمصداقية وعدم إستيعابها للدروس والعبر أو قدرتها على الإستفادة من أخطاء الماضي ، وبالتالي جاء هذا الإقصاء نكراناً مُتعمداً لفضائع جريمة إسقاط الجنسية العراقية عن الكرد الفيليين وتهجيرهم القسري ومصادرة أموالهم وعقاراتهم التي ذهب ضحيتها أكثر من (٥٠٠,٠٠٠) نصف مليون فيلي مع تغييب أبنائهم أكثر من (٢٠,٠٠٠) عشرين ألف شاب مُختفي قسراً منذ أوائل شهر نيسان/١٩٨٠ وتزامناً مع ترويج العديد من الساسة بين الحين والأخر للدعوات العنصرية القاضية بطردهم ونفيهم مجدداً وكأنهم ليسوا عراقيين أصلاء ولتضاف إليها جريمة جديدة لا تقل في مأساتها عن ما أرتكبه حزب البعث المُنحل ونظامه المُباد وتشكل نقطة سوداء في تأريخ العراق الديمقراطي التعددي الجديد ... أهذه هي مكافتئهم المجزية في إعادة الإعتبار إليهم ! ؟ التي لم تراعي جميع النكبات والويلات والفواجع التي حلت بالفيليين ، وتجسد الأمر بإستبعادهم المطلق عن الهيئات المستقلة { المفوضية العليا لحقوق الإنسان ، والهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة ، والمفوضية العليا المستقلة للإنتخابات ، وغيرها } بمسلسل إقصائي طويل لا حصر له ، وبناءً على ما تقدم لم تأخذ بنظر الإعتبار الإستحقاقات الدستورية والحقوقية والقانونية للكرد الفيليين ، وهي كما يأتي : ـ
١. الكرد الفيليين من شرائح المجتمع العراقي المذكورة في ديباجة الدستور ، مما يستوجب إدخالهم ضمن الحصة المقررة للمكونات والأقليات إستناداً إلى أحكام المادة (٨/خامساً) من قانون المفوضية العليا لحقوق الإنسان رقم (٥٣) لسنة ٢٠٠٨ ، والمادة (٢/رابعاً) من قانون الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة رقم (١٠) لسنة ٢٠٠٨ ، والمادة (٩/عاشراً) من قانون المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات رقم (١١) لسنة ٢٠٠٧ المعدل ، فكل هذه الأحكام القانونية تؤكد شكلياً على إقامة وترسيخ التوازن العادل في تمثيل جميع مكونات الشعب العراقي ، وبطبيعة الحال كل المكونات والأقليات حصلت إستحقاقاتها بإستثناء الفيليين فكانوا خارج اللعبة والملعب في هذا التوازن المزعوم على أرض الواقع ولم يتذكرهم أحد أو يطالب بحقوقهم المهدورة أصلاً في العملية السياسية .
٢. إصدار المحكمة الجنائية العراقية العليا لحكمها التأريخي الصادر بتأريخ ٢٩/١١/٢٠١٠ القاضي بإعتبار ما تعرض له الكرد الفيليين جريمة إبادة جماعية الذي صادقت عليه الهيئة التمييزية للمحكمة المذكورة آنفاً حسب قرارها رقم (١٢/ت/٢٠١١) والمؤرخ في ١٠/٥/٢٠١١ ، مما يترتب عليه إلتزامات واجبة على المستوى الوطني والدولي ويمنحهم الأولوية في مناصب الهيئات المستقلة تطبيقاً لهذه العدالة الناجزة .
٣. ترحيب الحكومة العراقية بقرار المحكمة الجنائية العراقية العليا المذكور آنفاً ، وتعهدها بإزالة الآثار السيئة عن الكرد الفيليين بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (٤٢٦) لسنة ٢٠١٠ المُتخذ بجلستهِ الإعتيادية (٤٨) المُنعقدة بتأريخ ٨/١٢/٢٠١٠ والمنشور في الجريدة الرسمية / الوقائع العراقية العدد (٤١٧١) والمؤرخ في ٢٧/١٢/٢٠١٠ ، مما يعد ذلك دعماً قوياً ومُسانداً لتوليهم مثل هذه المناصب القيادية والعليا .
٤. قيام مجلس النواب بإقرار التقرير البرلماني حول الكرد الفيليين بجلستهِ الإعتيادية (١٠) المُنعقدة بتأريخ ١٢/٧/٢٠١١ وتشريعه للقرار رقم (١٨) لسنة ٢٠١١ المُتخذ بجلستهِ الإعتيادية (١٦) المُنعقدة بتأريخ ١/٨/٢٠١١ والذي صادق رئيس الجمهورية عليه بموجب القرار الجمهوري رقم (٦) لسنة ٢٠١٢ والمنشور في الجريدة الرسمية / الوقائع العراقية العدد (٤٢٣١) والمؤرخ في ٢٧/٢/٢٠١٢ والقاضي بإعتبار ما تعرض له الكرد الفيليين جريمة إبادة جماعية بكل ما يحمله هذا التكييف من معنى إستناداً إلى قرار المحكمة الجنائية العراقية العليا المذكور آنفاً ، وبالتالي فأن جزء من إعادة الإعتبار يتجسد بتمثيلهم الفعلي في الهيئات المستقلة .
٥. جاء القانون رقم (٥٤) لسنة ٢٠١٢ والذي صادق عليه فخامة رئيس الجمهورية بموجب القرار الجمهوري رقم (٥٥) لسنة ٢٠١٢ { قانون التعديل الثاني لقانون إنتخاب مجالس المحافظات والأقضية والنواحي رقم (٣٦) لسنة ٢٠٠٨ المعدل } والمنشور في الجريدة الرسمية / الوقائع العراقية العدد (٤٢٥٠) والمؤرخ في ١٠/٩/٢٠١٢ أعرجاً ومخيباً ومحبطاً للآمال فلم يمنح الكرد الفيليين ( نظام الكوتا ) إلا معقدين أثنين فقط في مجلسي محافظتي { بغداد ، وواسط } ولم يراعي عدد أعضاء كل مجلس ومُتجاهلاً لوجودهم الفعلي وإنتشارهم السكاني في محافظات ( ديالى ، والبصرة ، والعمارة ، والديوانية ، وغيرها ) ، كما لم يخصص للكرد الفيليين أية مقاعد على مستوى مجالس الأقضية بعكس المكونات الأخرى التي حصلت إستحقاقات كثيرة وشتى ومُتعددة ، وبالتالي لم يكن ميزان هذا القانون عادلاً في إنصاف مظلومية الفيليين وتعدادهم الكبير ، وسبق وأن طالبت فيها بحسم القضايا التي تحتاج إلى تدخل تشريعي كون القوانين النافذة لا تعالج مثل هذه الحالات ، ومنها تخصيص مقاعد محددة ( نظام الكوتا ) للكرد الفيليين وبواقع تمثيل عادل يتناسب مع توزيعهم السكاني لا يقل كحد أدنى ، وكالآتي : ـ
* محافظة بغداد (٦) مقاعد .
* محافظة ديالى (٥) مقاعد .
* محافظة واسط (٥) مقاعد .
* محافظة ميسان (٤) مقاعد .
ولكن جاء تشريع القانون مغايراً للواقع المطروح على طاولة مجلس النواب .
٦. يعد الكرد الفيليين أكبر مكون من ناحية الكثافة السكانية المتفوقة على غيرها من المكونات والأقليات ولكن واقع الحال أفقرها سياسياً ونيابياً نتيجة الإقصاء والتهميش المُتعمدين وأصبحوا من أكثر الفئات المظلومة من حيث قلة حصولهم على المناصب السياسية والحكومية والتشريعية التي لا توازي حجمهم السكاني وثقلهم الإجتماعي نتيجةً لتغييبهم قسراً عن التوافق والشراكة الوطنية بالرغم من إستحاقاتهم الدستورية والقانونية والوطنية المشروعة التي لا تعد ولا تحصى ، مع العلم بأنه وقعت عليهم جريمة إبادة جماعية كبرى على مستوى المجتمع الدولي والإنساني لم تحدث بمأساتها المضاعفة مع بقية مكونات الشعب العراقي ، وهذا ما يدفع بإتجاه تمثيلهم الجاد والحقيقي في الهيئات المستقلة .
٧. بعد إستعراض الفقرات من (١) ولغاية (٦) المذكورة آنفاً ... نوجه سؤالنا الآتي : هل توجد فئة من مكونات المجتمع العراقي وأقلياته تركز عليها الظلم المضاعف والمُتراكم سابقاً ولاحقاً ولمدة (٨٠) ثمانين عاماً مثل الكرد الفيليين ومسلسل إقصائهم لازال مستمر لحد الآن دون توقف .
٨. صادقت جمهورية العراق مؤخراً بالإنضمام إلى الميثاق العربي لحقوق الإنسان حسب القانون رقم (٢٧) لسنة ٢٠١٢ والمنشور في الجريدة الرسمية / الوقائع العراقية العدد (٤٢٤٩) والمؤرخ في ٣/٩/٢٠١٢ والصادر عن جامعة الدول العربية من قبل القمة العربية (١٦) التي إستضافتها تونس بتأريخ ٢٣/آيار/٢٠٠٤ ... فالميثاق ينص على حياة كريمة على أسس من الحرية والعدل والمساواة والتسامح وسيادة القانون وتكافؤ الفرص ورفض جميع أشكال العنصرية التي تشكل إنتهاكاً لحقوق الإنسان وتهديداً للسلم والأمن العالميين وإقراراً بالإرتباط الوثيق بين حقوق الإنسان والسلم والأمن العالميين وتأكيداً لمبادىء ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأحكام العهدين الدوليين للأمم المتحدة بشأن الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية ... إلخ ... فهل تم تطبيق هذا الميثاق فعلاً على الكرد الفيليين ! ؟