تبادل الساسة العراقيون على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم التهاني والتبريكات بعيد الاضحى وتمنى كل واحد منهم للاخر وللعراق والعراقيين الخير والسعادة والامن والامان، بيد ان هذه الامنيات المتبادلة لا تتعدى كونها مفردات وعبارات خالية من الجوهر والمضمون بالكامل، او بعبارة اخرى هي بلا روح تماما، لانها بعيدة كل البعد عن الواقع، وبعيدة كل البعد عن حقيقة توجهات ومشاعر ومواقف هؤلاء الساسة ازاء بعضهم البعض، وإزاء مشاكل البلد وأزماته التي يفترض انهم يتحملون جزءا كبيرا من مسؤولية حلها ومعالجتها ارتباطا بمواقعهم ومناصبهم السياسية والامنية والادارية.
و"حينما يتبادل المواطنون العاديون التهاني والامنيات، فهذا امر طبيعي جدا، وهم ينتظرون من يترجم امنياتهم على ارض الواقع، وامنيات الساسة ينبغي ان تكون هي الترجمة العملية لأمنيات المواطنين، بصورة خدمات حياتية وأوضاع امنية وظروف سياسية افضل". هكذا يقول الباحث الاجتماعي عباس الفريجي. ويشاطره الرأي زميله سعيد عبد الكريم، ويضيف شيئا اخر بقوله "في بلدنا اذا كان الساسة لا يفعلون ولا يقدمون ما يستحقه المواطن، وما تفرضه عليهم وظائفهم، والكثير مما يطلقونه من كلام يعد فاقدا للمصداقية، فإن الناس باتوا يائسين من الانتقال الى اوضاع افضل على صعيد المدى المنظور، وراحت تتبلور لديهم قناعة بالقبول والتكيف مع الواقع بكل سلبياته ومنغصاته".
ولعله من غير المنطقي توقع حدوث متغيرات ايجابية حقيقية في ظل واقع سياسي يمتاز بقدر كبير من الاحتقان والتشنج وانعدام الثقة.
واذا كان غلاء الاسعار يمثل ظاهرة عامة في مختلف الدول والمجتمعات خلال الاعياد والمناسبات الدينية، مثل عيدي الفطر والاضحى وشهر رمضان وشهر محرم، وعموم الناس يضعون في حسابهم ارتفاع الخط البياني لاسعار السوق، والعراق لا يخرج عن تلك القاعدة، ان لم يكن في ظل غياب الرقابة والمتابعة الكافية، يشهد مستويات ارتفاع اعلى مما تشهده دول عديدة، اذا كان موضوع الغلاء كذلك، فلإن موضوعات اخرى من قبيل الخدمات الاساسية والترفيهية، ومعها الاوضاع الامنية، تعكس الهوة الواسعة بين الواقع والامنيات، وبين الواقع والوعود التي تطلق من قبل الساسة، لا سيما من هم في المفاصل العليا للتشريع والتخطيط والتنفيذ.
ثمة مشاعر قلق واستياء واحباط وحزن رافقت مشاعر البهجة والفرح لدى العراقيين في هذا العيد، كما هو الحال في الاعياد السابقة، وربما تكون الاولى قد طغت على الثانية، وهذا امر طبيعي جدا، عندما تشهد اكثر من مدينة عراقية عمليات ارهابية عديدة، وهذا ما حصل في العاصمة بغداد ومدن اخرى، حيث سقط عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين، ولا يمكن بأي حال من الاحوال الحديث عن خطط امنية ناجحة بالكامل - هذا اذا كانت هناك بالفعل خطط مدروسة بدقة وإحكام - وكذلك يكون امرا طبيعيا ان تطغى مشاعر القلق والاستياء والاحباط والحزن على مشاعر البهجة والفرح، عندما تختلط الاخبار عن الصراعات المحتدمة بين القوى السياسية حول قضايا محورية ومهمة مثل الموازنة المالية وقانون التقاعد الموحد والحدود الادارية وصلاحيات الجيش، مع اخبار حركة الناس خلال العيد، وعندما نجد فئات وشرائح اجتماعية عديدة تعاني اقصى درجات العوز والحرمان والاهمال والتهميش.
وفي اغلب خطب صلاة العيد تطرق الائمة والخطباء الى جملة من القضايا السياسية الراهنة، ولم يخفوا قلقهم من ايقاع الحراك السياسي القائم ومستوى الخلافات والاختلافات والتقاطعات بين الفرقاء، ووجه البعض منهم انتقادات مباشرة ولاذعة للمتصدين للشأن السياسي العام في البلاد، وطرحوا رؤى وتصورات للخروج من عنق الزجاجة كما يقال، ومن بين ابرز تلك الرؤى والاطروحات هو ما جاء على لسان رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم متمثلا بالدعوة مجددا الى تشكيل حكومة اغلبية سياسية يكون فيها تمثيل لكل مكونات المجتمع العراقي، كخيار بديل عن حكومة الشراكة الوطنية التي اخفقت في النهوض بالبلد وتحقيق طموحات وتطلعات العراقيين.
ان انحسار مساحات التوافق والاتفاق بين القوى السياسية على مخارج مناسبة ومقبولة للازمات السياسية وغير السياسية في البلاد، واتساع نطاق الخلافات والاختلافات والتقاطعات، وتزايد موجات الشحن والشد الطائفي والقومي في بعض الاحيان بفعل عوامل وادوات خارجية، واعطاء الاولوية للمشاريع والاجندات الفئوية الخاصة على حساب الاجندات الوطنية، كل ذلك لا بد ان يلقي بظلاله القاتمة على الواقع الحياتي والامني والاقتصادي للبلاد، وبالتالي ينعكس سلبا على المواطن العادي. ويشير المحلل السياسي احمد عبد الرحمن احمد الى "انه يخطئ من يتصور او يأمل ان تتحسن الاوضاع الحياتية والخدمية والامنية في العراق من دون حصول تحول حقيقي نحو الامام في المشهد السياسي، لان اصل المشكلة او الازمة القائمة هو سياسي، وان الاطراف الرئيسية في العملية السياسية تعتبر جزءا من تلك المشكلة، لذلك فإنها وفي ظل هذا الواقع السيئ لا يمكن ان تكون جزءا من الحل، اللهم إلا ذا اعادت النظر في منهجياتها وسلوكياتها ووضعت مصلحة البلاد والعباد في سلّم اولوياتها".
ومن خلال المتابعة لمجمل التقارير الاخبارية والتحقيقات الصحفية والتلفزيونية التي تمحورت حول مشاعر وطموحات وتمنيات العراقيين في العيد، يبدو واضحا ان الجميع متفقون على ان الكرة في ملعب الساسة الكبار، وان السبب الرئيسي للجزء الاكبر من ازمات البلاد هو طغيان النزعات والتوجهات الضيقة لهؤلاء الكبار، والحلول والخيارات الصحيحة والمطلوبة واضحة ومشخصة ولا تحتاج لكي تترجم على ارض الواقع سوى الى نيات صادقة وإرادات مخلصة وهمم عالية. وهذا وإن بدا صعبا الى حد كبير الا انه غير مستحيل.