وفي اطار القراءة المرتبطة بالمعطيات والوقائع السياسية الراهنة لابد من الاشارة الى المسائل التالية:
* ان التفجيرات الاخيرة جاءت في وقت بلغت الازمة السياسية في البلاد مستويات خطيرة، وباتت فرص الحل شبه معدومة ان لم تكن معدومة بالكامل، وخصوصا بين رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني .
* معظم المناطق التي وقعت فيها العمليات الارهابية تعد احد ابرز مفردات الازمة، بأعتبار انها من المناطق المتنازع عليها، والتي اطلق عليها الاكراد مؤخرا "المناطق الكردستانية خارج الاقليم"، بينما اطلقت عليها الحكومة الاتحادية "المناطق المختلطة"، فخط العمليات الارهابية الاخيرة انطلق من قضائي خانقين وجلولاء التابعين لمحافظة ديالى ليمر بكركوك وتكريت والموصل وينتهي عند تخوم مدينة اربيل عاصمة اقليم كردستان.
* لم تستهدف العمليات الارهابية الاخيرة مكونا اجتماعيا معينا دون غيره، فبعضها استهدف اماكن عبادة "حسينيات" تابعة لاتباع اهل البيت ومن ابناء القومية التركمانية في كركوك، وبعضها الاخر استهدف مقرات ومراكز حزبية وعسكرية كردية، وبعضها الاخر استهدف زوارا عراقيين واجانب-لبنانيين وايرانيين-في مناطق يقطنها ابناء قومية الشبك في الموصل، وتحديدا قرية خزنة التي تعرضت في عام ٢٠٠٩ لانفجار شاحنتين محملتين بالمتفجرات واودى بحياة عشرات الناس الابرياء، والبعض الاخر من العمليات الارهابية استهدف نقاط تفتيش عسكرية تابعة للجيش العراقي.
وفي ظل هذه المعطيات لايمكن بأي حال من الاحوال الحديث عن التداعيات الامنية الاخيرة بمعزل عن مجمل اجواء التصعيد السياسي، وعملية الربط بين الاثنين لايعني بالضرورة توجيه اصابع الاتهام الى اطراف التصعيد بالوقوف وراء تلك العمليات الارهابية، وان كانت بعض الجهات قد حاولت الايحاء بذلك، ولكن في ذات الوقت لاىمكن لاي منهما التنصل من المسؤولية، فالمتعارف عليه في العراق-وربما في اي مكان اخر-ان الازمات السياسية غالبا ما تفرز اهتزازات وتصدعات امنية خطيرة، اذ انها توفر ارضيات ومناخات ملائمة للجماعات الارهابية للتحرك، الى جانب استغلال بعض الخصوم من الاطراف الداخلية والخارجية الاوضاع السياسية السيئة للدفع بأتجاه تأزيم الاوضاع الامنية، ولعل الكثير من العراقيين باتوا يتوجسون كثيرا ويشعرون بالقلق حينما تزداد حدة الاحتقانات والتشنجات السياسية بين الفرقاء.
وارتباطا بالازمة الاخيرة بين الاقليم والمركز، والتي تصاعدت وتيرتها بسرعة قياسية، تواردت انباء عن دخول عناصر من سوريا ودول اخرى الى بعض المناطق المتنازع عليها، وقيامهم بتشكيل خلايا ومجاميع ضمن اطار ما يسمى بالجيش العراقي الحر، وكذلك تواردت معلومات عن نشاطات وتحركات استثنائية لاجهزة مخابرات خارجية مثل التركية والاسرائيلية لارباك الاوضاع، وصب المزيد من الزيت على النار، اضف الى ذلك ان طبيعة ولاءات واصطفافات وارتباطات عناصر تمسك مفاصل ادارية وسياسية وعسكرية وامنية مع هذا الطرف او ذاك من اطراف الازمة، قد يكون ساهم بشكل او باخر في احداث ثغرات اتاحت للاهابيين النفوذ والتغلغل من خلالها.
وطبيعي انه اذا كانت هناك ارضيات ومناخات ملائمة، ومبررات وحجج، وادوات وعناصر للتأزيم، ان تتعرض مناطق الازمة لضربات ارهابية.
والعمليات الارهابية الاخيرة تزامنت مع حدثين مختلفين كل منهما عن الاخر، الاول انطلاق المسيرات الراجلة لزيارة اربيعية الامام الحسين عليه السلام، من مختلف مدن ومناطق العراق، لاسيما البعيدة، وهذا ما يدفع الجماعات الارهابية الى استغلال هذه الحشود وتنفيذ عمليات ارهابية علها تثني الملايين من التوجه نحو الامام الحسين عليه السلام، ولعل استهداف عدة حسينيات في كركوك مؤشر واضح على ذلك.
اما الحدث الثاني فتمثل بقرب حلول الذكرى السنوية الاولى لانسحاب القوات الاميركية من العراق، ولاشك ان هناك اكثر من جهة تريد ان توصل رسالة مفادها ان العراقيين-وبالتحديد الحكومة-عاجزين عن ادارة شؤون البلاد بأنفسهم وتوفير الامن والاستقرار في البلاد، وان خروج الاميركان لم يكن هو الخيار الصحيح.
واذا لم تكن واشنطن ضالعة بما يجري من عمليات ارهابية في العراق، فأنها ربما لاتكون بعيدة عنها بالكامل، اذ ان مصالحها واجنداتها قد لاتتقبل حقيقة استتباب الاوضاع الامنية بالكامل، وانتهاء دوامة الصراعات السياسية بين الفرقاء.
وبما انه لاتوجد في الافق مؤشرات لاحتواء او حلحلحة الازمة السياسية، وبما ان زخم الحشود المليونية الزاحفة نحو كربلاء المقدسة ستتزايد خلال الايام المقبلة، وبما ان اصلاحات ومعالجات حقيقية في اداء المنظومات الامنية العسكرية لم تظهر حتى الان، فعلينا توقع حصول المزيد من التداعيات والتصدعات الامنية خلال الاسابيع القلائل القادمة . والسؤال هنا مالذي ستفعله الحكومة واجهزتها الامنية والاستخباراتية والعسكرية للحد من نزيف الدماء، وكيف سيتصرف الفرقاء السياسيون مع بعضهم البعض وهم يشهدون ويشاهدون الصور التراجيدية تتكرر يوما بعد اخر، بل ساعة بعد اخرى؟؟.