ساهمن جميعا، "لقرصنة تطلعات شعوب المنطقة العربية، واحتواء فوراتها وغضبها السكاني الساعي للتحرر ومواكبة النهضة العالمية نحو الرقي والتمدن،" "وتوجيهها نحو أهداف فتنوية إثنية رجعية، تنعش الربيع الصهيوني وتبشره بالأمان والاستقرار وتمنحه فرص أكثر للإلتفاف على القضية المركزية، وفمع المقاومات التحررية واحتوائهن لصالح الكيان الصهيوني،" "والسعي كذلك لضمان ابقاء كفة اسرائيل هي الراجحة دوما قبال كفة دول المواجهة (إن وجدت) من كافة النواحي وعلى جميع الصعد- وهذي الشعوب من الطبيعي وبعامل الفطرة، تواقة لنيل حريتها، وتريد التخلص من نير الأنظمة الشمولية المتسلطة على رقابها، بإي طريقة وبإي ثمن كان-".
فالسعي لخلق أرضية جديدة فاسدة لولادة فكرة ماسمي بمشروع "الربيع العربي" في هذه المنطقة، صار بمثابة "الأمر الواقع وحقيقة راسخة ولكنها متأرجحة الأقطاب" -أي تستطيع القفز من البداية إلي النهاية بشكل تكتيكي تبعا للظروف القائمة والأهداف الغير متحققة لخلق نهاية وهمية،توحي بأن الأمور قد هدأت واستبب أمرها، كما ولها القابلية للقفز من تلك النهاية للرجوع مباشرة للبداية التي أنطلقت منها، في أي لحظة وبأقرب فرصة مؤاتية وبتكتيك مبيت يجعل جميع شواخص اللعبة بحالة وضع اصبع اليد على عتلة الزناد، _ من حيث لا"حد" للبدايات ولا"حد" للنهايات_ وذلك يعني انها تتصف "بالبدايات المخرومة، والنهايات السائبة" مثلها (كمثل حروب الاستنزاف في القرون الوسطى في أوربا، وحروب العصر الجاهلي كحرب البسوس وداحس والغبراء).
وهذا العامل يعطي للعبة مرونة فائقة للاستمرار بابقاء أبواب ساعات الصفر مفتوحة على مصاريعها وفي كل آن ومكان، بسبب تعدد تلك الخيارات-خيارات البداية وخيارات النهاية-.
وهذا الهاجس كفيل بأن يزعزع أمن الاوطان والشعوب والحكومات، بأسلوب جديد لم يعهده العربي من قبل، وهو الأسلوب الأحدث والمطور لأخبث لعبة مستجدة ومصممة خصيصا لمنطقة العرب، إذ تستطيع أيضا اختراق البدن العربي الفاقد للمناعة وبيسر، وببوادر وهمية عن مستقبل مجهول لايستطيع تكهنه حتى من كان ضليعا بالسياسة.
كما انها لاتريد إن تجازف بالتفريط بخوادم اللعبة التابعة لها المستنزفة للمال والطاقات، والمتصفة بدواعي النجاح والفشل، طالما انها نجحت بتأمين الحاضنات الذاتية بفضل التواجد الجغرافي والمناطقي لتلك الحواضن، والتي تؤمنها لها الضحية المحلية المستهدفة طوعا وطمعا، لإلتقاء المقاصد والأهداف، فضلا عن تواجد الخلايا النائمة المكبوتة، والطابور الخامس العميل.
وهذا الأسلوب في تنفيذ وممارسة هذه اللعبة القذرة، أسلوب مدروس ومخطط له منذ منتصف القرن الماضي ضمن سلسلة خطط الانهيار الموصى بها لجوار الكيان الصهيوني.
بات ووفق هذه المرحلة، "مرحلة الإفاقة"، بات ليس عسيرا ولا مستحيلا على الشعوب إذا إرادت إن تحاول تجربة الطموح لتحقيق تطلعاتها لنيل حريتها وكرامتها، حتى لو منيت بالفشل، بالرغم عن عدم درايتها على وجه الدقة والتحديد بالأهداف التي تساق اليها_يعني قاعدتها البشرية_، بل ليس بالجديد عليها_أي الشعوب_.
فهي ومنذ بداية القرن المنصرم تعرضت لعدة مؤامرات وإرهاصات ونكبات، ابتداءا من الحرب العالمية الاولى ووعد بلفور ومرورا بجميع الاحتلالات والنكسات والحروب الأهلية المحلية والعالمية، ومرورا بسايكس بيكو، ووصولا إلى بروز هذه الحالة، _وهي الحالة الأشد ضررا ووفعا ليس على مستوى البلد الضحية المستهدف، فحسب، بل على المستوى الأقليمي والمناطقي وحتى العالمي_ وهي "حالة التداعي والتردي والخنوع، المتميزة أيضا ببروز واستفحال ظاهرتي الإرهاب والطائفية ومشتقاتهفا"، واحتضانهما ودعمها من قبل الضحية المقسومة على نفسها-والتي على مايبدو وللأسف أنها ولدت _اي الظاهرة او الحالة_ من صميم رحمها، وتحديدا من ساعة تلاقحها مع الدين الاسلامي الأموي المنحرف، والاسلام السياسي صاحب الأغلبية في بعض رقاع المنطقة ،أو بما يسمى بالإسلام السلفي والوهابي والاخواني، وبأتباع أسلوب متغطرس وغير مسبوق في فترة العصر الحديث من قتل وذبح على الهوية وتفجير، وبأسلوب تغليب الطائفية والعصبية والتمييز العنصري على الحس الإيماني والوطني والإنساني_.
وتسعى هذه الأجندة أيضا لإلهاء شعوب هذه المنطقة، بأهداف وهمية يبدو على طابعها في الظاهر، على أنه التحرر وممارسة حقها في نيل حريتها، وأعتناق الديموقراطية كمبدأ ونظام سياسيي وانساني يكون بديلا للديكتاتورية الجاثمة على صدورها منذ أمد ليس بالقليل، كما ويبدو عليها انها ترتدي لباس التحرر ومناهضة الظلم والديكتاتورية، ولكن الأفعال والدلائل لاتشير إلا على ماتكن ما في داخلها من المكنون الذي يحتوي على قلب وروح إذكاء الفتنة والطمع في الاستئثار بالسلطة، وتحويل الدول إلى دول متخلفة خاوية وهامشية عاجزة، ومنهارة اقتصاديا وبنيويا وعسكريا، واحتكار ارادتها،
ومصادرة رؤاها وتطلعاتها المشروعة "التي نضجت وجهزت وتحررت توا من عامل الخوف والاذعان والغيبوبة" فتحولت تلك الحالة الجديدة وبشكل لاشعوري لصالح تلك الأفكار والأجندة الآنفة بعد قلب الموازين وخلط الأوراق.
لقد تزامنت رياح التغيير عند الشعوب مع مرحلة نقاهتها السياسية، "بحيث أصبحت جاهزة وناضجة لاستعادة حريتها وعقولها التي صادرتها النظم الديكتاتورية الشمولية، واستعادة كرامتها التي انتهكت بسبب الأساليب المتغرطسة والمتعنجهة التي مورست ضدها بأبشع الأساليب وبالحديد والنار، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية من القرن المنصرم ولحد الآن،
كما ولسوء حظها تزامنت هذه اليقظة- بفكرة القيام بمشروع ربيع عربي حقيقي-، تزامنت مع المخطط الأسود هذا فسرعان ماتلقفت تلك الجهود وقرصنت بطريقة لايدركها ألعقل العربي البسيط ولاالسياسي الذي يعاني كثيرا من عقدتي الاضطهاد والنقص، فاستحال هذا الربيع -أي الربيع العربي الحقيقي- الى ماسمي ب"الربيع العربي" الذي تشهده المنطقة الآن، على نحو انه "الربيع العربي الحقيقي"كذبا وتدليسا.
أذن فالشعوب أصبحت متأهلة للتتغير والقضاء على تلك الأنظمة، ولكنها لم تتمكن من إدراك ركوب الآليات الموثوقة التي توصلها لبلوغ تلك الأهداف ، ومن حيث انها مغلوب على أمرها، وارادتها مسلوبة وقد بيعت في سوق النخاسة السياسية بأبخس الأثمان، ولايوجد من بين صفوفها قائدا مميزا ولاسائسا مخلصا لها يقودها ويسوقها لتحقيق الأهداف الحقيقية وبأقل الخسائر لشاطيء الحرية الحقة، وباصدق النوايا وتجنب مواطن الشبهة، إلا ماندر، أو -كان قد وجد في صفوفها- من كان مندسا أومتحيزا لفئة تلك الأجندة، أو من أتصف بأنه فاسدا ومنافقا بامتياز وفي قلبه مرض ومنحازا مأجورا مرتبطا بجهات راديكالية متطرفة وفاشية متعجرفة، يقودها بحسب الإملائات المدروسة المستلمة.
(ومثل هذا العصر كمثل عصر فترة خلافة أمير المؤمنين علي (ع)، من حيث تشابه اللعبة والشخوص والآليات والأهداف.
وهكذا فالتاريخ يعيد نفسه،- إذ -حيث- كانت الفتنة هي سمة تلك المرحلة، وذلك بالتكالب على سرقة السلطة والنكول والسعي لاستخلاف الرسول الأعظم (ص) ظلما وأنتحالا وتدليسا وطمعا بالخلافة والسلطة، ونقض بيعة الامام والخليفة الوصي والمنتخب علي بن ابي طالب (ع)، وبما يسمى "بحروب التأويل" "كاثر رجعي لحروب التنزيل التي خاضها الرسول الأكرم (ص) لمجاهدة كفار قريش وحلفائهم".
وحروب التأويل هذه أتت بسلسلة من الفتن والمعارك التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى والشهداء، واحرقت الأخضر باليابس، ولكن حنكة الامام وبصيرته استطاعت وبكل حزم وأقتدار احتواء تلك الفتنة وابطالها وكشف زيف وبطلان رموزها وقادتها وهزيمتهم على مر الفترة والتاريخ، من خلال فقأ عينها وابطال سحرها، مصداق قوله (ع): "أنا فقأت عين الفتنة".
إذن فكيف تفقع عيون هذه الفتن ولايوجد في سوحها رجل صنو علي (ع) ولو بالحدود الدنيا؟ ليفقأ عيون فتننا؟)
وماابشع خبث هذا المخطط!! بحيث أن العربي يقوم بتدمير ثروات بلده بيده، وهدر دماء ابنائه بخنجره، وهدر خيراته بفورته، وسحق بنيته التحتية وأقتصاده بحماقته، وبعنوان الثورة، وتحت شعار "الشعب يريد اسقاط النظام".
وفكرة الثورة هذه مستوحاة من فكرة الفتنة والانتحار الجماعي، وفكرة سيادة العقل الجمعي، وفكرة "البلطجة علي وعلى أعدائي"، إذ إن الجماهير المعبأة والمتعددة الأقطاب، لاتستطيع وهي ثائرة أن ترى أين تكمن المشكلة؟وأين يروا افق الحل؟ إلا بمقدار الإملائات التي تملى عليهم من هنا وهناك، بالوقت نفسه أن هذه الإملائات مشبوهة وقد تكون مغرضة ومنحازة، وقد تمتلك عدة مطاليب تتميز بأنها ذات سقف مفتوح، بحيث يستطيع السياسي الملازم لتلك الجماهير أن برفع سقف تلك المطاليب أنى يشاء ومتى يشاء، والوصول لتحقيق أهدافه من خلال تلك الجماهير التي يحركها للتنفيذ بطريقة العقل الجمعي كما اسلفنا، وبالمد الموجي الإعصاري، وكيفما يريد.
ثبت ومن خلال المعطيات أن المحرك الأساسي والتاريخي لهذه الفتنة "هو المثلث المحوري المؤثر في الساحة، والمهماز بعناصره الثلاث، الدين والمال والاعلام".
فالثورات المنبثقة من هذا الربيع ومثلثه ماهي إلا حراك سياسي وعراك مذهبي وطائفي واسلامي- سياسي، وسلسلة من حروب أهلية-حكومية، يسوقها ويؤججها ويعبأها هذا المثلث.
والربيع العربي ماهو إلا مطية من مطايا هذه اللعبة، وسلسلة من الفتن يتحرك في المنطقة كتحرك الاعصار، بتأثير ودفع هذا المثلث، فيصور للضحية واقعا مزيفا حاضرا كان أومستقبلا، وبامكانيات مادية غير معهودة، ولكن الضحية في اللعبة لايدرك تماما متى يهيج هذا الاعصار للقضاء عليه والتهامه، كما ان للمتلقي أيضا لايدرك تماما من هو صاحب الحق في هذه اللعبة الاعصار أم الضحية؟
المهم، أن اللعبة التي حيكت على المقاس العربي كفتنة كاسحة، حققت أهدافها لصالح الحركة الصهيونية والحزب الأموي، والأجندة الخارجية، وقد تركت بلدان خاوية ضعيفة، لاحول لها ولاقوة.
أدركت مصر وتونس قذارة تلك اللعبة، بفضل تحضر شعبيهما، ونضوج ساستهما ، فعملتا على وضع اللبنات الاولى لتصحيح ثورتيهما بالاستفادة من قاعدة البدايات المخرومة والنهايات السائبة -أستيرادا- من مشروع مايسمى بالربيع العربي، للوصول إلى ربيع عربي حقيقي.
وصف الكاتب الأخ عبد الأمير محسن آل مغير ، الوضع السياسي في كليهما قائلا:
(وكشفت الاحداث الاخيرة في كل من تونس ومصر التوجهات الخطيرة لمرشحي الولايات المتحدة في السلطة فيما سمي بدول الربيع العربي من الاخوان ففي كل من تونس ومصر اظهر تطورالوعي الحضاري للأنسان العربي فيهما بأنه لا يستطيع هضم تخلف اناس يظهرون من غياهب الماضي ليفرضوا عليهم فتاوى التكفير فقد كشف اغتيال ( شكري بلعيد) اخطر ما نجم عن تلك الفتاوى مما حمل المعارضة التونسية ان تطلب رحيل جبهة النهضة من الحكم ونفس ما حدث في تونس حدث أخيرا في مصر حيث وجه الاخوان وحلفائهم فتاوى باغتيال قادة جبهة الانقاذ وهنا اقتحمت الجماهير المصرية اوكار الظلام والتسلط طالبة رحيل هذه الزمرة المتخلفة عن الحكم وهذه مسألة طبيعية بنظرنا لوجود تناقض كبير بين التطور الحضاري لشعبي تونس ومصر وبين زمر الاخوان التي تحكمها وهكذا ظهر اوردكان وحكام قطر والسعودية ومعاذ الخطيب باصطفاف واحد كرهط امريكي اسرائيلي كشفته وبشكل جلي الغارة العدوانية الاخيرة على سوريا.)
بينما يجري العكس تماما في سوريا والعراق بفضل التحالف القاعدي- الاموي-البعثي-التركي-السعودي-القطري-الصهيوني، ويدفع ثمنه غاليا وللأسف الشديد اهلنا في مناطق الضحية المنفذة لهذه الأجندة المشبوهة، وانا لله وانا اليه راجعون ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم.
علي الحاج
١٧:٠٠.الجمعة ١.٣.٢٠١٣