انطلقت يوم الجمعة الماضي، الأول من شهر أذار- مارس الجاري الحملات الاعلامية لانتخابات مجالس المحافظات العراقية المزمع اجراؤها في العشرين من شهر نيسان-ابريل المقبل. ثمانية الاف ومائة مرشح من أربع عشرة محافظة –عدا محافظات اقليم كردستان الثلاث، وهي اربيل ودهوك والسليمانية ومحافظة كركوك-سيتنافسون على ٤٤٧ مقعدا.
هذا العدد الكبير من المرشحين يتمثل بـ(٢٥٦) كياناً سياسياً، بعضها تمثل أحزاب وحركات سياسية، وبعضها شخصيات قررت خوض الانتخابات منفردة، ومن ضمنها تشكل خمسين ائتلافاً انتخابياً ابرزها ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، وائتلاف المواطن بزعامة رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم، وائتلاف الاحرار التابع للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وائتلاف العراقية الوطني الموحد بزعامة رئيس القائمة العراقية اياد علاوي، وائتلاف العراقية الحرة بزعامة قتيبة الجبوري المنشق عن القائمة العراقيـة، وائتلاف العراقية العربية بزعامة نائب رئيس الوزراء صالح المطلك.
انطلاق الحملات الاعلامية الانتخابية جاء وسط أجواء سياسية مشحونة بكثير من التوتر والاحتقان، بسبب الازمات السياسية المتواصلة بين الفرقاء، والتظاهرات الجماهيرية في المحافظات الغربية التي مازالت متواصلة منذ حوالي شهرين، وشلل البرلمان، ناهيك عن تدني الواقع الخدمي والحياتي لكثير من الفئات والشرائح الاجتماعية العراقية.
وهذا التوتر والاحتقان، وتقاطع المواقف والاتجاهات والتوجهات في مجمل المشهد السياسي العراقي، كان من أبرز مظاهره ودلالاته تفكك وتشظي بعض الكتل، لاسيما الرئيسية منها، فالتحالف الوطني الذي يمثل كل من المجلس الأعلى، وحزب الدعوة، والتيار الصدري اعمدته الرئيسية، لن يدخل الانتخابات في قائمة واحدة، وانما تشكلت ثلاث قوائم، قائمة "ائتلاف دولة القانون"، والتي ضمت حزب الدعوة-المقر العام-الذي يتزعمه المالكي، واجنحة الدعوة المنشقة، مثل تنظيم العراق بزعامة نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي، وتنظيم الداخل بزعامة وزير الامن الوطني الاسبق عبد الكريم العنزي، وتيار الاصلاح الوطني بزعامة رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري، ومنظمة بدر، وكتائب حزب الله-المقاومة الاسلامية، وعصائب اهل الحق التنظيم المنشق عن التيار الصدري.
أما ائتلاف المواطن الذي أعلن عنه رسمياً يوم السبت الماضي، فقد تألف من المجلس الأعلى بزعامة الحكيم، وعدد من الكيانات المنضوية تحت لوائه مثل حركة "الجهاد والبناء"، و"تجمع الامل"، وتحالف "قوى الانتفاضة في العراق"، وكذلك حزب "المؤتمر الوطني" بزعامة احمد الجلبي، وتيار "بدأنا" بزعامة وزير الداخلية السابق جواد البولاني، وكتلة "التضامن" المستقلة، ومنظمة "العمل الاسلامي" وغيرها، في حين قرر التيار الصدري خوض الانتخابات بقائمة مستقلة.
الانتخابات المحلية ومفاجآت الفترة الحرجة
أما القائمة العراقية التي حصدت النسبة الاكبر من مقاعد مجلس النواب في الانتخابات البرلمانية الاخيرة عام ٢٠١٠، فإنها تعرضت الى تشظيات كبيرة، افرزت ثلاث قوائم رئيسية اضافة الى مجموعة من القوائم الصغيرة، والقوائم الرئيسية هي قائمة "ائتلاف العراقية الوطني" الموحد برئاسة علاوي، و"قائمة متحدون" بزعامة كل من رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي ووزير المالية المستقيل رافع العيساوي، وقائمة "ائتلاف العراقية الحرة" بزعامة كل من جمال الكربولي وقتيبة الجبوري، وكذلك "قائمة العراقية العربية" بزعامة صالح المطلك، علما أن عدداً من نواب العراقية سبقوا وان خرجوا من الكتلة وشكلوا "العراقية البيضاء"، فضلاً عن خروج نواب آخرين واعلانهم ممارسة العمل البرلماني السياسي بصورة مستقلة.
ولم تقتصر ظاهرة التشظي والتفكك على "التحالف الوطني" و"القائمة العراقية"، بل انها امتدت الى المكون الكردي، بيد أنه في الانتخابات المحلية المقبلة، ستقتصر مشاركة الاحزاب الكردية على بعض المحافظات التي فيها وجود بنسبة ما لابناء القومية الكردية مثل العاصمة بغداد ونينوى وديالى وواسط.
واذا كانت انتخابات مجالس المحافظات، تتمحور من حيث طابعها وبرامجها الانتخابية على الجوانب الخدمية أكثر من السياسية، فإنها لا تخلو من دلالات وأبعاد سياسية غير قليلة، لأن نتائجها ومعطياتها ستعكس حجم ومساحة كل كيان، وطبيعي ان من يحقق نتائج متقدمة في أية محافظة سيكون بإمكانه إشغال المواقع التنفيذية-التشريعية(الرقابية) العليا في المحافظة مثل المحافظ ورئيس مجلس المحافظة، فضلاً عن رئاسة اللجان المهمة في مجلس المحافظة مثل اللجنة الأمنية ولجنة الاستثمار، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن هذه الانتخابات ستمثل مقدمة للانتخابات البرلمانية العامة المقررة في العام المقبل، والنقطة الأخرى المهمة، هي أن الشد الطائفي والقومي سيغيب الا في المحافظات ذات التركيبة المختلطة قومياً وطائفياً ومذهبياً، وستكون المنافسة في المحافظات ذات الهوية الطائفية المعينة بين قوائم تحمل تلك الهوية، كما هو الحال حين تتنافس قوائم "ائتلاف المواطن" و"ائتلاف دولة القانون" و"ائتلاف الاحرار" فيما بينها في محافظات مثل البصرة وذي قار وميسان والمثني والنجف وكربلاء، مع وجود منافسين آخرين من اتجاهات غير اسلامية، ونفس الشيء بالنسبة للمحافظات ذات الهوية السنية، مثل الانبار وصلاح الدين ونينوى التي سيتركز التنافس فيها بالدرجة الاساس بين القوائم التي انشطرت عن القائمة العراقية، مع وجود قوائم اخرى تمثل المكونين الشيعي والكردي.
وما يمكن ملاحظته هو أن البرامج الانتخابية لمعظم القوائم والكتل السياسية غير واضحة بما فيه الكفاية للناخب، وهي ربما لن تكون مختلفة عن برامجها الانتخابية السابقة، وهذا العامل الى جانب عوامل أخرى من قبيل ضعف الخدمات، وسوء الاوضاع الامنية، واستمرار الازمات السياسية وتفاقمها، يمكن ان يتسبب في عزوف عدد لا يستهان به من المواطنين عن المشاركة في الانتخابات، اذ تشير بعض الاستطلاعات الى ان نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية المقبلة لن تتعدى ٥٠%، وهي نسبة قليلة مقارنة بنسب المشاركة في الانتخابات السابقة في الاعوام ٢٠٠٥ و ٢٠٠٩ و ٢٠١٠.
وهناك من يعتقد ان استمرار التظاهرات الاحتجاجية في المحافظات الغربية، يمكن ان يتسبب في إرجاء إجراء الانتخابات لبعض الوقت، وربما يصار الى اجرائها مع الانتخابات البرلمانية العام المقبل، هذا اذا لم تقرر الحكومة استثناء المحافظات التي تشهد اوضاعاً غير طبيعية.
وسواء أرجئت الانتخابات بالكامل، او في المحافظات الغربية فقط، فإن ذلك من شأنه ان يطلق رسالة سلبية مفادها ان الازمات السياسية المتلاحقة والمتواصلة باتت تلقي بظلالها على عمل مجلس النواب، وعلى الحراك الديمقراطي في البلد، وعلى عمل الحكومات المحلية.
صحيح ان الفترة الزمنية المتبقية لموعد الانتخابات قصيرة، وهي لاتتعدى الشهر ونصف الشهر، الا انها يمكن ان تأتي بمفاجآت غير محسوبة او تفرض استحقاقات يريدها البعض ولا يرغب بها البعض الاخر.