لم تمنع العراقيين تلك الهجمة المستعرة من ممارسة حقوق صودرت منذ تأسيس العراق وقيام الدولة العصرية فهبوا ينظمون للحركات والاحزاب المناضلة القديمة او التي تشكلت بعد السقوط لتمارس حقوقها في اجواء من الحرية والانفتاح على العالم واندفعوا مختارين فرحين لممارسة ديمقراطية تمثلت في انجاح ثلاث دورات انتخابية واستفتاء على الدستور الدائم وبشكل لفت انظار العالم واذهل المراقبين حيث داس العراقيون على العبوات وبقايا المفخخات وتحدوا الهاونات والاحزمة الناسفة في الممارسات الانتخابية الاربع، مادل على تمسكهم بالنهج الديمقراطي واصرارهم على ترسيخ الحكم الديمقراطي الجديد المبنى على التداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات الحرة على مرأى ومسمع من العالم وبقوائم مفتوحة.
وهاهم يتهيؤون لانتخابات مجالس المحافظات بدورتها الثالثة في العشرين من نيسان الخير والعطاء.
وتحت تاثير الكبت والحرمان والاضطهاد الذي عاناه الشعب العراقي وبحصول التغيير الذي هيأ الاجواء المناسبة للممارسة الحرة واستثمارها من الطبيعي ان تسعى كل مجموعة تنضوي تحت كتلة او حزب او حركة الى تحقيق الفوز باعلى نسبة من الاصوات لتضمن المزيد من المقاعد البرلمانية الكفيلة باثبات وجودها وانتزاع حقوقها، وعلى هذا الاساس وانطلاقا من هذه الرؤية تستعر نار حملة الدعاية الانتخابية مع اول اشارة من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهي حق مشروع تقره كل دساتير العالم المتحضر وتمارسه الشعوب المتحررة من نير الدكتاتورية البغيضة. وحتى تؤتي الحملة الاعلامية ثمارها هنالك بعض الملاحظات التي يتوجب الانتباه اليها لتحقيق الاهداف المرجوة:
١- التركيز على اولويات المطالب الجماهيرية في البرنامج الانتخابي وابرازها بشكل واضح وصريح والابتعاد عن الوعود الفضفاضة واحلام اليقظة.
٢- استخدام احدث الوسائل واقربها الى نفوس الناخبين في الصوت والصورة، شكلا ولونا ومضموما.
٣- بما ان النتيجة يحسمها العدد الاكبر والاصوات الاكثر فلا معنى للبحث عن النوع على حساب الكم وهذا مالاحظناه في هزيمة بعض القوائم التي ركزت على الكفاءات والنخب.
٤- تأسيسا على النقطة "٣" فان احتضان الطبقة الكادحة والمحرومة وانصافها ومعايشة همومها يحقق الهدف المنشود فالجماهير تلتف حول من ينزل الى صفوفها ميدانيا.
٥- ضرورة اجراء التغيير في الوجوه القيادية بعد كل دورة انتخابية والاستفادة من تجارب الاحزاب والحركات السياسية في العالم المتحضر والتي حققت نجاحات باهرة في ترسيخ العمل الديمقراطي وبناء الدولة القوية، ولعل تجربة حزب العمال وحزب المحافظين في بريطانيا، والحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي في اميركا خير مثال.
٦- ونحن نخوض الحملة الاعلامية للانتخابات ينبغي ان لاننظر للحركات والاحزاب بقوائمها الانتخابية كأعداء بل كمنافسين والمنافسة الشريفة حق وامر وارد على ان لاتشوبه اساليب التسقيط وتتبع العثرات والتشويه والتخوين.
ان وجود هذا العدد الكبير من القوائم الانتخابية والتي ضمت مئات المرشحين ظاهرة صحية حملت الكثير من الدلالات يأتي في مقدمتها اجواء الحرية وتشوق العراقيين للديمقراطية ورغبتهم في تعويض سني القهر والحرمان.
لانشك ان هذه الاعداد ستتضاءل بمرور الزمن بعد ان تترسخ الديمقراطية وتثبت الكتل او الاحزاب الفاعلة جدارتها في اقامة دولة قوية تعيد للعراق موقعه التأريخي البارز وتضمن للمواطن حقه في العيش المرفه الكريم. وهذا لايتم الا من خلال بذل الجهود المتواصلة من الاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني في تثقيف الناس على الممارسة الديمقراطية وكيفية استثمار واستخدام الحرية التي لاتتقاطع مع حرية وحقوق الاخرين وفق اساليب حياتية معاصرة من شأنها اعادة تأهيل العقول والافكار التي شوهتها توجهات وثقافات سلطة البعث البائدة واحياء ثقافة التسامح وقبول الاخر.