أراهن ،على أن الشخص المثقف هو "إنسانا" قبل كل شئ، وما حالة الثقافة التي اعتادها هذا الإنسان الا حالة من حالات التدرج المضني التي اوصلته إلى انسانيته هذه ، اما وأن يبقى إنسانا ولاتغرنه مباهج الدنيا ومنزلقات فسادها- عندما ينعم الله عليه بمختلف النعم كالجاه والمنصب والمال والاولاد- فذلك هو الامتحان الصعب والعسير.
"وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين".
نريد ومن خلال هذه الزاوية، ان نحصر بحثنا هذا على جنبة من جنبات شخصية العضو المنتخب حديثا بعيد انتهاء الانتخابات المحلية للمحافظات، والجاتب الأهم في شخصية العضو المحافظي أن يكون "إنسانا مثقفا وصادقا في كل شى وكائنا في تقوى الله سبحانه وتعالى"،وان تكون له ملكة يتميز بها عن بقية ملكاته، ويتميز بها أيضا عن غيره من سائر الناس بحكم عامل الثقة والمسؤولية التي اودعتها تلك الجماهير عنده وفيه من خلال التصويت البنفسجي لا الأحمر ،وكان من اهمها-اي الملكات- أن يكون "صادقا" في كل شئ، ويجيد فن "الانصات" والاستماع للآخرين لمعرفة وجهات نظرهم وتجاربهم وهمومهم وتطلعاتهم، ومشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم، وتنوير افكارهم "واحترام عقولهم" وتقويمها، واخذ دوره في أوساطهم كمثقف وإنسان بالاضافة إلى منصبه وموقعه الحساس "كإداري ناجح"، والحفاظ قدر الامكان على "وسطيته ومهنيته وكفاءته"، دون الانزلاق الاعمى والغير منصف للانجرار في منزلقات "الطائفية والعصبية والعشائرية والحزبية"، ومن ثم الاستئناس بآرائهم وقبول مقترحاتهم ودراسة ابحاثهم ودفع مظلومياتهم.
لاشك ومن الناحية البديهية أن رأيك هو السائد على رأي الآخرين بحكم "مكانتك الإعتبارية والوظيفية أو الشعبية والمجتمعية" ،ولكن تحدُثك دائما "عن نفسك" وبشكل سافر ومستمر، وملفت للنظر دليل على أنك لست واثقا منها أو نعتبرها مقدمة من مقدمات البيروقراطية الديكتاتورية ،أو لربما توحي للآخرين ،انك تعاني من عقدة ما أو ظاهرة ما ، سسيحسبها الآخرون على إنها "عقدة نقص"، أو ضرب من ضروب "الثرثرة أو الهذيان" ، أو على انك بطلا من "ابطال ظاهرة الكذب"، عليك والحالة هذه تحويل "الأقوال إلى أفعال".
ويحضرني في هذا الشأن مثالا رائعا، مفاده أن عبدا كان يحضر برفقة سيده وبشكل منتظم جلسات الخطيب الحسيني التي تلقى على اسماع الناس من على المنبر، وكان هذا السيد متأثر بأفكار ذلك الخطيب آنذاك، قال العبد للخطيب: أن مالكي هذا متأثر جدا بأفكارك، ماذا لو خصصت بحثا في احدى محاضراتك تتناول فيه موضوع العبودية والعتق، لعل سيدي يبادر إلى عتقي!! مرت فترة طويلة والعبد يترقب دون جدوى، يريد ان يرى من خلالها ضوء الحرية والانعتاق، في نهاية النفق.
بعد مضي ستة أشهر وبعد طول انتظار، أعتق هذا العبد من قبل سيده اثر سماع محاضرة مؤثرة من قبل الخطيب، ذهب العبد ليشكر الخطيب، ولكنه وفي نفس الوقت عاتبه على تأخر القاء تلك المحاضرة التي كانت سببا لعتقه.
قال الخطيب معتذرا: الذي أخرني، هو المال الذي جمعته بما يساوي ثمن شراء عبد خلال تلك الفترة، لأشتري به عبدا ومن ثم أعتقه، حتى عندما اتكلم من على المنبر عن موضوع العتق" أكون حينها أنا أول من حول كلماته إلى أفعال ولأكون صادقا فيما أقول وأعني"، وثانيا ليأخذن كلامي مساحة واسعة بين صفوف الناس، ولياخذكذلك أثره في "عقولهم ومداه في تفكيرهم وسنة لإقتادئهم".
"ياأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين"
نعود للموضوع ونؤكد على ان الوقت والحوار في الجلسات والمحادثات ،هو ملكا للجميع ،وليس ملكا لك وحدك، أو حكرا عليك.
نعم، لك الحق في ان تتحاور مع الجميع ضمن الفرصة المتاحة لك وضمن محيط الدائرة المخصصة لك، لا أن تصادر فرص الآخرين في التحدث وتحرمهم من الادلاء باصواتهيم والتعبير عن آرائهم وطرح وجهات نظرهم في الموضوع الذي اجتمعتم من أجله، لانك إذا فعلت ذلك فهذا يعني انك قد صادرت ابداعاتهم، وقتلت روح المبادرة عندهم، "ولاتنسى أن من أوصلك إلى هذه المكانة هو نفس الصوت الذي تحاول أنت الآن أن تسكته".
ومن المؤكد عندما تكون شخصا محبا لذاتك أو عندما تعاني من مرض النرجسية والعظمة أحيانا، هو أنك تقول كل شيء بما يعزز عندك ظاهرة الأنا وحب الذات ، وان كان ولابد، يجب ان تجعل لنفسك برنامجا تتحكم فيه ومن خلاله على كيفية صياغة الجمل واختيار الكلمات حتى لاتقع في الخطأ أو في المحظور ،لان من تكلم كثيرا أخطأ كثيرا، ووقع في الاثم كثيرا.الا من كان مسددا ،أو إما أنه يعرف كثيرا أو "يكذب كثيرا".
نحن عندما نطيل الكلام بموضوع واحد وبفكرة واحدة ذلك لأننا ليس لدينا ما نقوله بطرح أفكار أخرى جديدة ومتطورة ومواكبة للأحداث، ويتجسد الحديث دوما في "الأنانية والنرجسية وحب الذات" وفي "الانجازات الوهمية والاساليب المصطنعة والمستعارة"، وتمرير آراء وأفكار قد اكل عليها الدهر وشرب، ومنتهية الصلاحية، ونمارس الديكتاتورية بجميع اشكالها ،ولا نسمح لآخر بالمقاطعة الا في "حدود تقديم الولاء والطاعة ،والمدح والثناء بما ليس فينا،والاطراء بما لانستحق".
ومن كان مسؤولا ومعجبا بنفسه ،اذا نصب بينه وبين الآخرين جدارا وحاجزا ضد قدرات الآخرين في التحدث والكلام والابداع ، فهذا يعني انه رفع علما مكتوبا عليه شعارا كبيرا على انه "إنسانا فارغا وعاجزا" عن أستيعاب قدرات الآحرين واحتوائهم بروح رياضية خلافة، لا ان ياخذه العجب في نفسه وعقله وتفكيره وتصرفاته، وياخذه الغرور والخيلاء، لارتكاب الحماقات والمعاصي بحق "نفسه وتاريخه ووطنه وشعبه".
أحيانا يسهب بحديثه الممل مع الآخرين في جلسات عامة وخاصة، وإن مجرد محاولة مقاطعته يعتبر جريمة، ولاسبيل لإسكاته، إلا طريقة واحدة تحقق الهدف في اسكاته ولو بشكل مؤقت الا وهو "التصفيق، وهي الوسيلة الوحيدة التي نستطيع أن نقاطع بها أي متحدث دون أن نثير غضبه"وعليك ان تعرف ان ^ليسوا دائما^، الذين يصفقون لك، "بالعقل الجمعي"، ويزمرون لك، على انك "محنك". ربما يريدوا أن يقطعوا سلسلة أفكارك، أو يعطوك فرصة لاعادة ترتيبها، تبعا لحقيقة نواياهم.
أو ربما ليقنعوا انفسهم، بانك هو من سيحقق لهم مطالبهم المشروعة، فيقولوا لك بالتصفيق، "نحن هنا".
بيد أنك لن تنجز لهم ذلك بما وعدتهم به في التمهيد، بسبب تزاحم طموحاتك ومنافعك الشخصية، وتقاطعها مع مطالبهم المشروعة احيانا.
وعليك أن تدرك أيضا الأسباب التي حدت بالجموع الغفيرة من الناس لمقاطعة الانتخابات والعزوف عنها بنسبة كبيرة لم تكن موجودة في عشر سنين قد خلن، واسباب ذلك كثيرة منها عدم ثقة الناخب العراقي بمرشحيه بسبب ماعانوا من "كثرة الكذب وقلة الخدمات والزيادة المفرطة في حجم تفشي ظاهرة الفساد الاداري والمالي والإرهاب الأحمر والإرهاب المجاز" خلال فترة الدورات الانتخابية السابقة.
نعترف الآن انك قد استلمت "تركة ثقيلة" على خلفية "الانقاض السياسية والادارية المنصرمة"، وانه قد اوكل على عاتقك "حملا شرفيا ثقيلا" أنت صرت اهلا لحمله في هذه المرحلة العصيبة لتغيير "قناعات الناس وافراغ أخلادهم من حالة القنوط واليأس التي زرعها في نفوسهم من قد سبقك من السياسيين".
فتوكل على الله؛
و"إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا".
علي الحاج
٢١.٠٤.٢٠١٣