لماذا تتقدّم ولاية ألفقيه على جميع ولاية ألمراجع ألفقهاء؟
وردتني مداخلة فيما سبق من أحد المشايخ العلماء "ألتقليديون" على مقال لي بشأن "ولاية الفقيه" (١), حيث إعتقد بتقدّم ولاية "شورى الفقهاء" على "ولاية "ألفقيه" في قيادة ألأمة و آلأنسانية, و قد بيّنتُ له جوابنا على ذلك, و نقدمه لكم بشكل مختصر كجواب على السؤآل أعلاه:
بآلنسبة للشّورى"شورى المراجع الفقهاء" فقد طُبّقت عملياً في إيران لفترة محدود جدّاً بعد ثورة ألتنباك(٢) و فشلت في إدارة البلاد، حيث أسّس ألمراجع مجلسا فقهائيا لقيادة البلاد و العبادعام ١٩٠٦م, لكن المجلس لم يستطع عملياً ألأستمرار في أداء واجباته سوى لبضعة أشهر, لدليلين:
ألأول: كثرة الأجتهادات و آلآراء و الخلاف بين الفقهاء أنفسهم، و عدم وجود من يستطيع حلّ الخلافات و فصل الأمور من فوق في آلمسائل الخلافيّة، و لذلك إستغلّت الأطراف المناوئة و في مقدمتهم ألشاه ذلك الوضع القلق و المضطرب ليُسيطروا على أوضاع الناس و بالتالي الحكم لسبعين عاماً(فترة سلطة الشاه ألمقبور رضا خان بهلوي وإبنه و عائلته) ليُعيثوا في الأرض فساداً, حتى وصل الأمر بشورى الفقهاء لِئنْ يُفتي بعضهم بمقاطعة بعضهم و بإرقامة دمائهم! كما حدث مع آية الله العظمى ألشيخ فضل الله آلنوري، ليستشهد على يد مُقلّدي المراجع الآخرين لكونهِ لم يقبل بآلمشروطة (صيغة نظام الحكم في وقتها) بينما قبلها الآخرون، حيث كان الشهيد المظلوم فضل الله النوري يرى بوجوب ألمشروطة المشروعة كأصل في الحكم بآلعدل بين الناس بعكس الفقهاء ألآخرين ألذين قبلوا بسلطة الشاه كولي أعلى!
ألثاني: ألفقه ألجّعفري يُجيز إمكانية وجود عدّة مجتهدين في زمان واحد, بل في الحقيقية يهدف إلى جعل كل الأمة مجتهدين حتى المرأة في بيتها بحسب آلروايات المعتبرة عن الأئمة المعصومين، و آلجميع يعرف معنى المجتهد – المطلق و المتجزأ - بمعنى إمتلاك ألشّرعيّة الكاملة و القدرة على إصدار الفتاوى طبقاً لمصادر التشريع بحسب رأيه و أجتهاده من دون تدخل آلآخرين أو المصالح الخاصة، و لا يستطيع أحداً فرض رأيه عليه أو إجباره على قبول أو إصدار رأي مُعيّن مهما كانت ألأسباب و آلضّرورات، و لو فعل ذلك فأنّه يفقد صفة ألأجتهاد و الحصانة آلشّرعيّة، و هذا الأمر من شأنه بث ألفوضى و آلخلاف و تعطيل آلقرارات ألتي لا بُدّ من بيانها يوميّاً لتمشية أمور ألدّولة و المسلمين و آلقضايا الأنسانيّة خصوصاً في عصرنا هذا الذي يحتاج إلى فقيه شجاع يمتاز بعلم و اسع و رؤية ثاقبة و شبكة إدارية و معرفة بآلزمان و المكان لأتخاذ قراراتٍ دقيقةٍ و شفّافةٍ، لهذا فأنّ "شورى المراجع الفقهاء" ألذي دعا لهُ البعض من آلعلماء لا يتناسب عمليّاً مع مبادئ ألفقه ألشّيعي و مع طبيعة العصر و العلاقات الدولية لمعالجة "آلحوادث الواقعة" ألكثيرة و المعقدة التي تحتاج إلى فتاوى سريعة و يوميّة و قاطعة و صحيحة في السياسات الكبرى بشأن مصير البلاد و العباد لمواكبة حركة التطور المعاصرة!
نعم قد يتحقّق فاعليّة و نجاح مجلس "شورى آلمراجع ألفقهاء" في حالة وجود فقيه أعلى يشرف على آلمجلس ألفقهائي نفسه من فوق، و هذا ما هو مُطبّق تماماً في نظام ألدّولة الأسلامية المباركة المعاصرة (نظام ولاية الفقيه) فمجلس مراقبة سير إجراء الأحكام ألأسلاميّة و "مجلس خبراء ألقيادة" هو آلذي يقوم بهذا آلدّور ألحسّاس، حيث يضمّ أبرز فقهاء ألأمّة من آلمجتهدين ألأعلام الكبار ألواعيين من أمثال آية الله ألعظمى ألسّيد محمود ألشّاهرودي ألحسيني و آلفيلسوف الفقيه جواد ألآملي و آية الله ألعظمى ألسّيد ألحائري ألحسيني و آية الله العظمى إبراهيم أليزدي و آية الله ألعظمى ألأبراهيمي و آية الله ألعظمى ألدّري ألنّجف آبادي و غيرهم .
أمّا أدلتنا ألواضحة و آلبيّنة على وجوب إطاعة "ولاية ألفقيه" من قبل ألأمة و حتى بقية المجتهدين و الفقهاء خصوصاً في هذا آلعصر ألذي كثرتْ فيه آلأجتهادات و المظالم و الفتن والحروب و الولاآت فهو:
* جاء في "آلتّوقيع ألمشهور" ألذى نقلهُ أبو إسحاق ألكليني (رض) عن الأمام الحُجّة (عج) في معرض جوابه على سؤآل بشأن آلقيادة ألشّرعية في الأمة الاسلامية بعد شروع ألغيبة ألكبرى , فأجابَ عليه السلام:
[... فأمّا "آلحوادث ألواقعة" فإرجعوا فيها إلى رُوّاة حديثنا ...], ألجّدير بآلذكر هنا هو؛ أن الصلاة و الصوم و الحج و العبادات و المعاملات الشخصية لا تدخل ضمن الحوادث الواقعة لأن أحكامها معروفة سابقاً, و قد فهم ألكثير من الشيعة – حتى بعض المراجع منهم بآلخطأ معنى "آلحوادث الواقعة" حين إعتقدوا بأنّها تتحدّد بالعبادات ألشّخصية التي حدّدوها ضمن رسالة عملية مكررة و متشابه إلى حدّ بعيد مع بعضها آلبعض للأسف الشديد منذ أكثر من ألف عام!
و واقع ألحال أليوم لا يوجد فقيه مُقتدرٍ و اعي ربانيّ تحمّل مسؤولية ألرسالة و الأمة الأسلامية و الأنسانية على مستوى العالم وهو يواجه المستكبرين بشكل عملي و ميداني؛ كآلمرجع ألأعلى آية آلله ألسيد ألخامنئي ألذي أفتى و يُفتي في جميع الحوادث الواقعة - أكرّر الحوادث الواقعة – و في كل مجال و إختصاص و فن وعلم و لم يقتصر على الأحكام العبادية الشخصية التي بيّنها أئمتنا الكرام و الفقهاء القدامى و القرآن الكريم تفصيلاً قبل أكثر من عشرة قرون و يعرفه حتى أكثر طلاب ألأبتدائية, و هي لا تعدو أن تكون سوى أحكام شخصيّة محدودة!
* جميع آلنّظريات ألحديثة في علم الأدارة ألأستراتيجيّة أثبتتْ وجوب وجود ألرّئيس أو المدير في أيّة مؤسسة أو منظمة أو دولة ليكون بمثابة ألمُوجّه و الدّليل في القيادة لتوجيه حركة الأمة خصوصاً في القضايا المصيرية طبق ستراتيجية واضحة يهدف آلجميع إلى تنفيذها لتحقيق الأهداف الرئيسية ألمنشودة(٣)!
* جميع الرّوايات الواردة و منها قول إمامنا الحجة (ع) ألصّريح و آلواضح تؤكد على وجوب إتباع واحداً من الفقهاء البارزين ألقادرين في كلّ عصر من بين مجموعة الفقهاء الأحياء لأقامة حكم الله في الأرض, و هذا هو الدليل الشرعي بجانب ألدّليل العقلي الذي بيّناه آنفاً و الذي يؤكد على وجوب إطاعة الولي الفقيه.
حيث قال عليه ألسّلام: [مَنْ كانَ مِنَ آلفُقهاء ....](٤) فهنا يستثني إمام ألكونين ألحُجّة(عج) فقيهاً واحداً من بين آلفقهاء ليقوم بآلأمر، و هذا ما حصل اليوم و الحمد لله بأجماع الأمّة الأسلامية ألناهضة الواعية بعد نجاح ثورتها العملاقة عام ١٩٧٩ م بإستثناء من باع نفسه للشيطان و اليهود و الظالمين من آلسّنة أو آلشيعة لأغراض دنيئة متّخذين من فضائيات و مراكز الفتنة منطلقاً لنيل آلرئاسة و آلشهرة الكاذبة لنيل آلقليل من حطام الدنيا.
عزيز الخزرجي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) مقالنا ألموسوم كان جزء من كتاب: (مستقبلنا بين الدين و الديمقراطية) نشر على شكل حلقات في مجموعة من المواقع العربيّة و العراقية و العالمية, يمكنكم الأطلاع على الكتاب عبر شبكة الأنترنيت في موقع موسوعة نينوى و غيره.
(٢) ثورة "التنباك" أو ثورة التبغ (بالفارسية: نهضت تنباکو) هي ثورة قامت بعد سنة ١٨٩٠ م، حين منح الملك القاجاري، ناصر الدين شاه، حق بيع و شراء التبغ في إيران لصالح شركة بريطانية.
كان نحو ٢٠% من الإيرانيين يعملون في قطاع التبغ، و قد أدّت الإتفاقية إلى احتكار البريطانيين لهذا آلقطاع لتصل الأزمة ذروتها حين صدرت فتوى تُنسب الى المرجع الشيعي محمد حسن الشيرازي سنة ١٣٠٩ هـ / ١٨٩١ م حَرّم فيها ألتنباك، جاء فيها بآلنصّ: (استعمال التنباك و التوتون بأيّ نحو كان بحكم محاربة إمام ألزّمان (عجل الله فرجه).)
(٣) حتى العائلة الصغيرة؛ إذا لم يتصدّى فيها وليّ لرعايتها كآلأب أو الأم أو غيرهما في حال عدم وجود الأبوين فأن تلك العائلة ستواجه المصائب و الأنحرافات و الأزمات, فكيف الحال مع أمّة بكاملها و في هذا الزمن الذي تكالب فيه الأستكبار العالمي على المسلمين للسيطرة عليهم بكل الوسائل و المؤآمرات!؟
إنّه بلا شك تحتاج إلى الرأس المدبر لأمورها, و بغير ذلك تضيع الأمة و يتسلط عليها الحكام المأجورين الظالمين ليعبثوا بآلحقوق و الحريات كما حدث في العراق إبان حكم البعثيين الفاسقين, و قد وردت مئات الروايات و الأحاديث عن الرّسول(ص) و الأئمة الأطهار تؤكّد على وجوب وجود الأمام في كل عصر كرأس في الأمة لأدارة شؤونها و لم يعتني بآلشورى في القيادة ألعليا, و لنا في التأريخ الأسلاميّ خير دليل على ذلك, فحين أوكلوا الأمور في ظروف غير طبيعية لبعض الصحابة بعد وفاة ألرّسول(ص) رأينا كيف أنّ منحنى العدالة بدأت بآلنزول حتى وصل الأمر بآلامة لئن لا تعرف الحق من الباطل و تشتت أمورها و تفرقوا إلى شيع و مذاهب شتى, بل وصل الحال لئن يقتلوا أئمة الهدى كآلأمام الحسن(ع) و الحسين(ع) و أبنائهم المعصومين و كأنهم نسوا قول الرسول(ص): [الحسن و الحسين إمامان قاما أو قعدا], أو [ الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة], أو قول القرآن: [ قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى]!
لقد حدث ذلك كلّه بسبب "الشورى" للأسف الشديد, و لو كان "الغدير" واقعاً ما إختلف سيفان في الأمة – أيّ واقعة الغدير - ألتي تمّ فيها نصب الأمام عليّ(ع) كوصيّ و خليفة من بعد الرسول(ص) من قبل الله سبحانه و تعالى!
(٤) ألعاملي, الحرّ(١٩٨٥م), وسائل الشيعة – دار الأنوار للمطبوعات – بيروت, ج١٨ ص٩٤ – ٩٥, ط٢.
كما ذكرت الرواية في كتاب الأحتجاج للطبرسي, و غيرهما.