ألمقدمة:
يقولُ آلمثل ألشّعبيّ ألمشهور: [لو عُرِفَ آلسّبب بَطلَ آلعَجَبْ] لذلك فأنّنا سنُبيّن ألأسباب ألرّئيسيّة ألتي أدّتْ إلى تفاقم ألمحن و الدّمار و التخريب ألذي نعانية كمؤشراتٍ على كلّ صعيد لتكون مقدمة للدخول في صلب الموضوع لاحقاً, فالحضارات والشعوب تتعرض للفناء و آلاندثار كالأفراد و التنظيمات و آلقرى و الدول، و ليس من أحدٍ مُحصّنٍ ضدّ الزّوال, فهناك أجلان أجلٌ "محتوم" و أجلٌ "مخروم"، فالأمة آلتي تتوفّر فيها كلّ ألعوامل الطبيعيّة للحياة تنتهي بأجلها آلمحتوم، و إذا قصّرت ألأمّة في مُمارسة حياتها الطبيعيّة منْ خلال انتشار عوامل موتها ستنتهي قبل أجلها و ستموت و تنتهي كما انتهت ألأمم ألسّابقة.
يعتقد جميع ألفلاسفة و آلمفكرين ألبارزين بأنّ موت ألأمم قد يعني موتها بآلمعنى آلحرفيّ ألمباشر و آلمعروف، أيّ اختفاءها آلماديّ من آلوجود أو ضعفها و هوانها و إستبدالها بمشروعٍ آخرٍ مُصحّحٍ لها أو مخالفٍ لها و في تأريخ ألبشريّة كما يُؤكد ذلك الكثير من المؤرخين كـ "إبن خلدون" و "ول ديورانت" و آلفيلسوف محمد باقر الصدر(قدس)؛ نماذج كثيرة لأممٍ و حضاراتٍ قامت و ازدهرتْ ثم اختفتْ من الوجود, لكن المثال ألابرز الذي يرد فوراً الى آلأذهان هو؛ الامبراطورية "الفرعونية" و "الرومانية" و "الاغريقية" و "الفارسية" أو تلك التي حكمت بإسم الأسلام و الخلافة الأسلاميّة من بعد رحلة الرسول(ص) و آخرها ألأمبراطورية العثمانيّة التي عاشت لستة قرون متصلة ثم اختفت من الوجود, أو بتعبير أدق ماتت مادياً و معنوياً للأبد, و هناك بعض دّولاً كثيرة ماتت معنويا فقط و لكنها لم تختفي إختفاءاً ماديّاً كما هو الحال في الدول الغربية و العربية بشكل عام, أما الدول الافريقية و كثير من الدول الآسيوية فأنها تعيش الموت و المأساة معاً.
ألأمم قد توجد على قيد الحياة، لكن بلا وزن و لا تأثير و لا دور فاعل في عالم التقدم و آلحضارة و المكانة بكل معانيها وسط الامم الاخرى ومقارنة بها.
و يرى علماء ألاجتماع و آلتأريخ و على رأسهم الأمام عليّ(ع) أّنّ الاسباب الكامنة وراء ذلك هي:
غياب ألنظام العام الذي يشدّ الناس اليه و فساد منظومة الحكم و الحاكمين من خلال الاستبداد و الاستئثار بآلسّلطة و آلسّلطان و أنتشار الفوضى ألعارمة و غياب رقابة المنظومة الأدارية و الأمنيّة الحاكمة لانشغالها بآلسرقات و الشهوات ألتي تولد الفساد الاجتماعي و إشاعة حالة الخنوع و المسالمة و سيطرة الفساد المالي و الاداري في مؤسسات ألدولة الحاكمة و انهيار المسئولية الفردية - أي إحساس الفرد بوطنيته و بمسئوليته تجاه آلمجتمع - و انهيار مكانة ألدِّين في آلمجتمع كقوّة مُرشدة و موجهة و هادية للناس تفكيراً و قيماً و سلوكاً و تفكك ألبنية الاجتماعيّة بالحساسيّة و الخصومة الدائمة و تشتت الوحدة الاجتماعية و غياب الأمر بالمعروف و آلنّهي عن المنكر و سيطرة ألرّوح الانانيّة بين افراد المجتمع و تولي السفهاء و الأنتهازيين من الامة منظومة الحكم و القيادة المرجعية و آلأهمّ في كلّ ذلك هو ما لخّصه الأمام عليّ(ع) في آلنهج بقوله:
[يستدل على إدبار الدول بأربع: تضييع الأصول و التمسك بآلفروع؛ و آلغرور و التكبر؛ تقديم الأراذل و تأخير الافاضل؛ ترك الأمر بآلمعروف و النهي عن المنكر].
و قد كتب ألمؤرخ البريطاني "لورد ماكولاي" حول إنهيار ألأمم:
[ أن الامم تمر بمراحل متعددة منها:
مرحلة الأنتقال من العبودية الى الايمان الروحي,
و من الايمان الى البسالة و الشجاعة الفائقة,
و من الشجاعة الى الحرية,
و من الحرية الى الوفرة,
و من الوفرة الى الاستكانة و الرضا الفائق عن النفس,
و من الاستكانة الى الانانية المفرطة,
و من الانانية الى الاستهتار و اللامبالاة,
و من الاستهتار الى التبعية,
و من التبعية الى آلعبوديّة مجدّداً].
و يَعتبر ألقرآن أنّ آلمجتمعات تموتُ كما يموت ألافراد, حيث يعتقد العلامة محمد حسين الطباطبائي صاحب الميزان بما جاء في قوله تعالى: (لكلّ أمّة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة و لا يستأخرون) بأنّ الأمم لها شخصيّة تمتاز بها و تلك الشخصيّة قد تموت بفعل عوامل سلبية.
و يقول: (مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ) (الحجر:٥).
و (مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ) (المؤمنون:٤٣). (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المنافقون:١١).
فالامة التي تبني وجودها على الباطل و العنف و القتل و الذبح والأنتهازية هي أمّة واهية و ان كانت قويّة في الظاهر، إلّا أنّها ضعيفة في الواقع مهما تظاهرتْ بالقوة و البطش و الارهاب و آلعنف، لأنها لا تتفق و سنن الحياة ألطبيعية، و يرفضها العقل و الفطرة، ممّا يجعلها عرضة للزوال، لان من طبيعة الباطل الزوال و الزهوق، تماما كبيت العنكبوت الذي قد يخدع الانسان بمداخله و مخارجه و شبكته آلهندسيه، و لكنه سرعان ما يطير مع هبات الريح، و كذا هو عذاب الله بالنسبة لتلك الامم، (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت:٤١).
لقد جعل الله تعالى سنّة طبيعية في عملية الصّراع فلم يُمييز أمّةً عن أمّةٍ إلاّ من خلال عطائها و موقفها و احترامها للقيم الالهيّة التي تُحقق الأنسانية و العدالة, فاذا قصّرت الامة – و على رأسها الحكومة - و ابتعدت عن السنن الطبيعيّة التى رسمها الله سبحانه و تعالى للبشر فأنّها ستموت و يُعذّبها كما عذّب الأمم الأخرى و آلقران أشار لذلك بقوله:
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (الحشر:١٩).
و (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيراً) (النساء:١٣٣)،
و (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) (الأنعام:١٣٣)،
و (إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التوبة:٣٩)،
و (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) (ابراهيم:١٩)،
و (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) (فاطر:١٦).
في آلحقيقة .. إنّ ما قدّمناه كانتْ مُقدّمة لدراساتٍ مفصّلة, ربّما ستُطبع في مؤلف كامل في المستقبل, و سنحاول عرض بعض حلقاتها للقرآء الأفاضل, خصوصاً للذين طلبوا منّا تقديم مثل هذه الدراسات ألتي لا بُدّ من معرفتها خصوصاً في هذا الظرف العصيب ألذي يؤشر للموت بكلتا بُعديه و من الله التوفيق.
عزيز الخزرجي