قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ المؤمنون٥٢ ١- قيمة الوحدة لقد حرص الإسلام في نظرته إلى الإنسانية على تثبيت قواعد الوحدة بين أفراد الإنسانية جمعاء، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ النساء٤وحتى الإختلاف الشكلي أو الظاهري الموجود لجهة اللون أو اللغة ونحوها فهو آية من آيات الله لها حكمتها وفلسفتها الخاصة، قال تعالى ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِلْعَالِمِينَ﴾الروم٢٢ . ولهذا يمكن القول أن البعد الجغرافي القسري الذي تفرضه طبيعة الأرض والمساحات أو المسافات، لا تلغي أو تحرّف مبدأ التلاقي الإنساني بين جميع بني البشر، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذكرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾الحجرات٤٩ ٢- فوائد الوحدة إن فوائد الوحدة أو الإتحاد، و مضار التفرق والتمزّق والتشرذم، أشبه بالبديهيات الفطرية عند جميع العقلاء، وقد تحدّث القرآن الكريم عن هذين المبدأين في العديد من الآيات الكريمة، مضافاً إلى السنة المتواترة القولية والفعلية من أجل تأصيل هذا الركن في المجتمع الإسلامي. قال الله سبحانه ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾آل عمران١٠٣ ٣- ذم ثقافة التعصّب (التعصّب) من مادّة (عَصَبَ) وهي في الأصل بمعنى الخيوط العصبية والعضلية الّتي تربط بين مفاصل العظام والعضلات، ثمّ استُعملت هذه الكلمة ليُراد بها كلَّ نوع من الإرتباط الشديد الفكري والعملي، والذي يستبطن غالباً معنىً ومفهوماً سلبياً، إن الأضرار والخسائر الكثيرة المترتبة على هذه الرذيلة قد سوّدت صفحات التاريخ البشري، وواجه الأنبياء والرسل بسببها مشاكل كثيرة في طريق هداية الناس إلى الله والحقّ، وسُفكت بسببها الكثير من الدماء، ولهذا ورد الردع عن التخلّق بهذه الصفة. ٤- الأمّة الواحدة مصدر قوّة الأمة وتحصينها من التعاليم القرآنية الأساسيّة، السعي إلى الوحدة والحذر من الفرقة قال تعالى ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا ) آل عمران١٠٣ وقد ذمّ الفرقة وخاطب النبي بقوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾الأنعام١٥٩ وإنّ تشكيل أمّة إسلاميّة واحدة من الآمال الدينيّة الإسلاميّة الكبرى، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ )الأنبياء٩٢ وعليه ينبغي على المسلمين وعلى الدولة الإسلاميّة السعي في تنظيم السياسة الداخلية والخارجية لخدمة هذا الهدف، والعمل على إيجاد روح الأخوة والحذر من الوقوع في الأعمال الموجبة للتفرقة والإختلاف، إن إستراتيجية وحدة الأمة الإسلامية هي جزء من ثقافة التشيّع التي ترى ضرورة التحضير للحكومة العالمية الموحدة بقيادة إمام العصر والزمان. ٥- ثقافة الوحدة تحصّن الأمة تؤكّد النصوص الإسلامية على العديد من المفاهيم والقيم التي تساهم في تكريس ثقافة الوحدة التي تحصّن المجتمع والأمة منها: أ- المسؤولية تكليف عام: جعل الإسلام كل مسلم مسؤولاً في بيئته الإجتماعية، يمارس دوره الإجتماعي من موقعه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" ودعا صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإهتمام بأمور المسلمين ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم، فقال: "من أصبح لا يهتم بأُمور المسلمين فليس بمسلم " وقد وضع الإسلام منهاجاً متكاملاً في العلاقات، قائماً على أساس مراعاة حقوق أفراد المجتمع فرداً فرداً وجماعة جماعة، وتتمثل هذه الحقوق العامّة في الالتزام بالأوامر الإلهية؛ فالتقيد بهذا الأمر الإلهي يعصم الإنسان من التقصير في حقوق المجتمع، ويدفعه للعمل الجاد الدؤوب لتحقيق حقوق الآخرين وأداء مسؤوليته على أحسن وجه أراده الله تعالى منه.
ب- واجبات المجتمع الوحدوي: أكدّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، على التآزر والتعاون والتواصل والتحابب، ليكون الود والوئام والسلام هو الحاكم في العلاقات الإجتماعية بين الفرد والمجتمع، وبين الأفراد أنفسهم، ويبرز ذلك في العديد من الروايات منها: - المداراة والرفق، قال صلى الله عليه وآله وسلم " مداراة الناس نصف الإيمان، والرفق بهم نصف العيش ". - صدق الحديث وأداء الأمانة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "أقربكم مني غداً في الموقف أصدقكم للحديث، وأداءكم للأمانة، وأوفاكم بالعهد، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس" . - النهي عن إشاعة الفاحشة: قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)النور١٩ - النهي عن الغيبة والنميمة: في الحديث: "إياكم والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا، إن الرجل قد يزني ويتوب، ويتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه . ج- عدم الخضوع للشيطان: يودّ الشيطان إيقاع العداء والتشاحن بين المسلمين، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء﴾المائدة٩١ وقال الإمام الصادق (عليه السلام): "لا يزالُ إبليس فرحاً ما اهتجر المُسلمانِ فإذا التقيا اصطكّت رُكبتاهُ وتَخلّعت أوصاله ونادى يا ويله ما لقي من الثُّبور".
د- إصلاح ذات البين: وقال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾الحجرات١٠ ، وقد أولت الأحاديث موضوع الإصلاح بين الناس، أو إصلاح ذات البين أهمية فائقة، إلى حد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يجز التهاجر بين مسلم وآخر أكثر من ثلاثة أيام. فقال صلى الله عليه وآله وسلم "ولا هجر فوق ثلاثٍ" وقد استوجب المتهاجران لعنة الله تعالى .