ولو أسقطنا هذه المقدمة البسيطة على وضعنا الحالي في العراق لوجدنا أن أغلب فئات الشعب تتبع نصيحة "ميكافيلي" من أجل تحقيق مصالحها الشخصية وأهدافها الدنيوية. فمدير الدائرة يكون همه الوحيد وغايته الأسمى هي كيفية البقاء في منصبه الذي حصل عليه (بالصدفة) فيكون ملزَماً أن يحابي ويهادن ويداهن من أجل هدفه هذا ولو كان على حساب قيمة العمل أو على حساب شخصيته ومبادئه وقيمه التي ستسقط جميعاً من أجل البقاء مديراً متسلطاً على مجموعة من الموظفين الذين لن يتورعوا عن فعل كل منكر مادام مديرهم ضعيف الشخصية ومحاط ومطوق ومحجوز!ّ الشرطي أو الجندي العراقي يحاول أن يسلك وسيلة اللامبالاة أو التبرع بنصف المرتب للضابط المسؤول عنه ويترك دوامه الرسمي كي يتقي المخاطر التي تحيق به جراء التفجيرات والأشغال الشاقة المؤبدة التي يعانيها أثناء الدوام بسبب الآلية غير المنطقية الموضوعة من قبل ذلك الضابط الذي يضطره إلى سلوك هذا العمل، وكذا الضابط فانه يسلك هذا السلوك كي يصل إلى غايته وهي جمع المبالغ الطائلة ولو على حساب المسؤولية وحماية أمن البلد. الإنسان البسيط أيضاً يحاول أن يرضي عائلته وأطفاله بأية وسيلة ليكسب ساعات هانئة في البيت بعد عناء ومشقة في عمله سواء كان حكومياً أو أهلياً. البرلماني والوزير وعضو مجلس المحافظة والمحافظ وعضو المجلس البلدي ، دميعهم يعملون باسلوب إرضاء الحزب والكتلة السياسية من أجل البقاء في المنصب . أما إذا تحدثنا عن الرئيس أو السلطان الحاكم فحين يسلك سلوكاً منحرفاً أو ينتهج أسلوباً غير منطقياً من أجل البقاء في منصبه بدون التفكير في مصلحة البلاد والعباد ستكون العواقب وخيمة جداً ولا يمكن إصلاحها أبداً. فهذا الشخص يختلف عن الجميع كونه المسؤول عن البلد عموماً وهو ولي الأمر بمعنى من المعاني فهو الآمر وهو الناهي وهو الذي بيده أن يرفع البلد أو ينزل به خصوصاً إن كان حكمه انفرادياً، فخطأه أو زلته تكلف البلد الكثير وربما تودي به إلى الهاوية وكما قيل غلطة الشاطر بألف. من أساليب السلطان التي اتبعها للبقاء في منصبه والحصول على أربعة سنوات لمرة ثالثة هو أسلوب تسقيط الخصوم السياسيين مهما كان هذا الأسلوب شرعياً أو غير شرعي. فشاهدنا سياسة نشر " الملفات " أو الاحتفاظ ببعضها (لليوم الأسود) ضد الجميع دون استثناء حتى لو كانوا مؤثرين في الدولة أو الحكومة أو الشارع الشعبي، وبالتالي صار العراق يدار بعقلية الفرد الواحد - كما في السابق - مما جعل الجهات "المعاقَبة" بتلك الملفات تأخذ جانباً ساخطاً وحانقاً على الحكومة بل ان بعضهم سخط على المكون الذي ينتمي له السلطان الحاكم مما أعطى الذريعة للانتقام من المكون بأبشع صور. في الآونة الأخيرة، وبعد شعور الحاكم ان معركته مع الخصم قد انتهت بانتصاره بعد إصدار أحكام بالسجن وأحكام بالإعدام على ارفع المسؤولين بالحكومة وتم تشريدهم وإقصاءهم، بدأ هذا الحاكم وبتشجيع منقطع النضير من مستشاريه وأعوانه (من الرجال والنساء) بتسقيط شركاءه وحلفاءه في المكون الذي ينتمي إليه بعد أن وجد أن هناك نوعاً من المعارضة والرفض لسياسة التهميش والإقصاء والملفات التي يمارسها دون رجوع للتحالف ودون مشورة قادة الكتل. ومن أبرز من صب السلطان جام غضبه عليهم في لقاءاته وحواراته وخطبه هما (التيار الصدري والمجلس الأعلى) وكذلك نائبه لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني، فاتهمهم بأنهم السبب في كل ما يحصل من فساد وانهيار أمني وسوء خدمات وخصوصاً التيار الصدري كونه صاحب الوزارات الستة تلك الذريعة التي جعلت من السلطان وفريقه ان يتهموا تلك الوزارات بأنها السبب في الخراب الأمني والخدمي والمؤسساتي وهي السبب في هروب السجناء وهي السبب في إنقطاع الكهرباء والماء وهي السبب في تردي التعليم وهي السبب في تردي الواقع الصحي وهي السبب الرئيسي في سرطان الرئة وأمراض القلب الشرايين! السلطان الحاكم المنفرد بكل القرارات يتهم الجميع بشتى أنواع التهم ولا يعترف بهزيمته، السلطان الحاكم يتهم السنة بقتل الشيعة والشيعة بقتل السنة حين يصرح مراراً انه ضرب السنة والشيعة بكل فخر واعتزاز! الحاكم منفرد يتهم جميع الوزراء من غير حزبه أنهم سبب سوء الوضع الأمني ولا يعترف بفشله وهو القائد العام للقوات المسلحة ووزير الأمن الوطني ووزير الدفاع ووزير الداخلية ورئيس جهاز الاستخبارات وغيرها. السلطان الفرد الصمد لا يعترف بتردي التعليم ووزير التعليم من حزبه بل من قيادات الحزب! الحاكم المنفرد لا يعترف بكل شيء رغم انه القائد العام لكل شيء!