امر طبيعي ان يمارس الشعب حقه بالتظاهر والاعتصام وبوسائل التعبير المشروعة.. وواجب الدولة حماية هذا الحق.. وان لم تفعل، فلن تلغي الاحتجاج والتذمر بل ستنقله لمستويات اخطر واصعب على المعالجة.. صحيح ان بعض التظاهرات قد تستغل وتنحرف عن مساراتها.. تماماً كما قد تستغل الانتخابات والحريات والاحزاب، الخ.. لكن هذا ليس سبباً لمنع التظاهرات التي تعارض الحكومة، ليسمح بالتي تؤيدها.. ففي النهاية لا نمتلك سوى الشعب لكي نتقدم عبره لبناء النظام وللانتخابات ولبناء الاحزاب ولخروج التظاهرات ولمحاربة الارهاب واعمار البلاد.. فلابد ان نجعل الشعب المؤيد والمعارض يتمتع بالحقوق الدستورية ويلجأ للممارسات الديمقراطية للضغط لتحسين ظروف الحياة وحماية نفسه.... ففي النهاية لا تقدم او نجاح، بدون دعم وتأييد الشعب والاستماع الى صوته سواء اعجبنا ذلك ام ازعجنا.
لقد خرجت مظاهرات سلمية وناجحة في العديد من المحافظات للمطالبة بالغاء تقاعد البرلمانيين والرئاسات.. كان موقف القوات الامنية في بعضها سليماً وحمت المتظاهرين، فيجب الاشادة به.. اما في محافظات اخرى، فلقد استخدمت العنف غير المبرر، خصوصاً في "الناصرية" و"بغداد".. مما اوقع خسائر يجب اجراء تحقيق جدي لتشخيص المسؤولية وتعويض الاضرار.
نتمنى ان تشكل المظاهرات ضغطاً حقيقياً للاسراع بتشريع قانون التقاعد.. الذي يضمن حالة من العدل والتوازن بين فئات الشعب وطبيعة الاعمال المنجزة. فالانظمة التقاعدية عديدة وتطبقها جميع الدول تقريباً. ففي العراق الملكي مثلاً، يحتسب راتب البرلمانيين والوزراء (اذا تركنا التفاصيل والتعديلات) بموجب القاعدة الاتية: ١- مدة خدمة لا تقل عن (١٠) سنوات بضمنها الخدمة البرلمانية والوزارية، والا يمنح مكافأة تقاعدية كنسبة مئوية لاخر راتب.. ٢- يحتسب الراتب التقاعدي باستخراج "معدل الراتب" الذي يساوي مجموع الرواتب للسنوات الـ ٧ الاخيرة (اي مجموع الرواتب الشهرية لتلك السنوات تقسيم ٧٢).. ٣- يضرب "معدل الراتب" بعدد الاشهر الكاملة لمجموع سنوات الخدمة.. ٤- يقسم الحاصل على ٧٢٠ (تم تحسينه لـ ٥٧٠ في مراحل جمهورية لاحقة).
ليست المشكلة ان البرلمانيين او الدرجات الخاصة، الذين لمعظمهم سنوات خدمة طويلة، لا يستحقون رواتب تقاعدية، بل الاعتباطية في اقرار التخصيصات المالية.. خصوصاً وهناك احساس متناقض، بامتلاك البلاد ثروات كبيرة يتمتع بها قليلون.. يقابلها ارتفاع مستوى المحرومية لفئات واسعة وكبيرة. والمطلوب علاج جذري للمعادلة.
عادل عبد المهدي