ولاشك ان تلك الانتخابات تجري في ظل معطيات وحقائق واجواء قد تكون مختلفة نوعا ما عن معطيات وحقائق واجواء الانتخابات السابقة، وهذا يعني فيما يعنيه ان النتائج ربما ستأتي مختلفة هي الاخرى بقدر معين، وبالتالي فأن تحديات جديدة ستواجه الرابحين والخاسرين على السواء، اذ ان الرابحين عليهم ان يثبتوا ان الانتصار يمثل استحقاقا لهم، والخاسرين عليهم ان يعملوا بجد حتى يستعدوا مافقدوه، واكثر من ذلك يسعون الى تحقيق ما يتيح لهم التواجد في مواقع التأثير والقرار في جولات اخرى قادمة.
ولعل من بين اهم وابرز المعطيات التي ترافق الانتخابات برلمان اقليم كردستان في دورته الرابعة، هو الجدل والسجال الواسع بشأن رئاسة اقليم كردستان، وامكانية وشرعية التمديد للرئيس الحالي مسعود البارزاني لولاية ثالثة، وذلك الجدل والسجال يشبه الى حد كبير مايدور في كواليس السياسة ومايطرح في وسائل الاعلام، ومايثار في الشارع العراقي بشأن التمديد لرئيس الوزراء نوري المالكي ولاية ثالثة.
واليوم فأن انصار التمديد للبارزاني يعتبرون نجاحهم بتحقيق انتصار في انتخابات الحادي والعشرين من ايلول-سبتمبر، بمثابة تمهيد الطريق للبارزاني للبقاء في موقع الرئاسة اربعة اعوام اخرى، بعد عامي التمديد الاستثنائي الذي اقره برلمان الاقليم قبل شهور قلائل، ومن ثم انتصارهم من شأنه ان يضمن للحزب الديمقراطي الكردستاني البقاء في موقع الصدارة، وهو مايقلق قيادات الحزب في هذه المرحلة، لاسيما في ظل بروز قوى جديدة قادرة على استقطاب وجذب شرائح وفئات اجتماعية عديدة من المجتمع الكردي.
بروز هذه القوى الجديدة يمثل واحدا من معطيات وحقائق المرحلة الراهنة، ولايختلف اثنان في ان حركة التغيير(كوران) المنشقة –قيادات وقواعد-من الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني، تعد العنوان الابرز في هذا الخصوص، فهذه الحركة التي تأسست رسميا في صيف عام ٢٠١٠، شاركت في الانتخابات البرلمانية الكردية عام ٢٠٠٩، وحصلت على خمسة وعشرين مقعدا، وبفارق يكاد يكون بسيطا عن الحزبين العريقين، الديمقراطي الكردستان بزعامة البارزاني، الذي حصل عل ثلاثين مقعدا، والوطني الكردستاني بزعامة الطالباني الذي حصل على تسعة وعشرين مقعدا، ولاشك ان حركة التغيير التي يتزعمها السياسي الكردي المخضرم، والرجل الثاني سابقا في الاتحاد الوطني، نوشيروان مصطفى، نجحت خلال الاعوام الثلاثة الماضية في تعزيز حضورها الجماهيري، من خلال اتخاذها موقف المعارضة "الايجابية" في الاقليم، فضلا عن بنائها علاقات متوازنة مع مختلف القوى السياسية، سواء داخل الاقليم او خارجه، عكست تمتعها بقدر غير قليل من النضوج السياسي وحسن تقدير الامور.
وبما ان جمهور حركة التغيير هو في الواقع كان جزءا من جمهور الاتحاد الوطني الكردستاني، فمن الطبيعي ان يكون للصراعات وللمناكفات في داخل اروقة وكواليس "الاتحاد"، ومن ثم مرض الرئيس الطالباني وغيابه عن المشهد العام، اثر في تعزيز قوة "التغيير" على حساب "الاتحاد. وهذا يعد من المعطيات الجديدة التي لابد وانها ستساهم في تحديد طبيعة نتائج انتخابات الاقليم.
ويمكن ان يكون حزب البارزاني سعيدا بغياب زعيم منافسه اللدود وخصمه التأريخي، واستفحال الخلافات والصراعات بين كبار قياداته، واضطراب قواعده وتشضي ولاءاتها، بيد انه في ذات الوقت يشعر بقلق ربما كان كبيرا من نجاح حركة التغيير في قلب موازين القوى من خلال تحقيق فوز كاسح، او حتى فوز يتيح لها الامساك بزمام الامور في المرحلة المقبلة.
ومايعزز ويعمق هواجس القلق والمخاوف، هو ان القوى السياسية الصغيرة، مثل الاتحاد الاسلامي الكردستاني، والجماعة الاسلامية الكردية ، التي يمكن ان تكون مؤثرة في بعض المنعطفات، اقرب ماتكون الى حركة التغيير، رغم اختلاف الجذور والمنطلقات الفكرية، وتقاطع الرؤى السياسية، علما ان هاتين الحركتين تملكان ثمانية مقاعد-اربعة لكل منهما-في الدورة الحالية لبرلمان الاقليم، الى جانب قوى اخرى ذات توجهات يسارية-ماركسية مثل الحزب الاشتراكي الكردستاني، وحكرة كادحي كردستان، وغيرها.
وبحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات فأن واحد وثلاثين كيانا سياسيا طرحوا الف ومائة وثمانية وعشرون مرشحوا، سيتنافسون على مائة مقعد، الى جانب احد عشر مقعدا مخصصة(كوتا) للاقليات المسيحية والايزيدية والشبكية، وهذا العدد الكبير من الكيانات المتنافسة والمرشحين، من شأنه ان يساهم في تبديد الاصوات في غير صالح الكتل الكبيرة.
والمسألة الاخرى المهمة، هي ان الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني اللذان خاضا الانتخابات السابقة مؤتلفين ضمن قائمة واحدة، قررا هذه المرة الدخول في الانتخابات المقبلة منفردين، وهو مايعني زيادة حدة الاستقطابات والتشنجات، ليس في الاروقة السياسية فحسب، وانما على صعيد الشارع، ومن الطبيعي انه على ضوء ذلك، سيعمل كل منهما على استمالة القوى الاخرى لجانبه، ومن غير المستبعد ان يتم التركيز والاهتمام بدرجة اكبر على حركة التغيير.
واذا كانت قضية التغيرات في موازين القوى الكردية تبدو امرا محسوما في الانتخابات المقبلة، وان لم تكن واضحة بما فيه الكفاية في مستوياتها وابعادها، فأن صياغة وبلورة معادلات جديدة للاصطفافات والتحالفات السياسية سوف يواجه صعوبات وتعقيدات، قد لاتختلف كثيرا عما واجهه استحقاق تشكيل الحكومة الاتحادية في بغداد بعد انتخابات عام ٢٠١٠.
وارتباطا بأيقاع المواقف والوقائع والاحداث، فأنه من المرجح الا تقتصر مساحات وعناوين الاصطفافات والتحالفات على العناوين الحزبية الرئيسية والعامة، بل يمكن ان تمتد الى داخل المنظومات الحزبية، لاسيما الاتحاد الوطني الكردستاني بالدرجة الاساس، والحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي لايخلو من صراعات داخلية بين مراكز قوى وشخصيات متعددة بعضها مقربة الى زعيمه البارزاني.
وستبقى هواجس عدم التمديد للبارزاني، وموت الطالباني، وتراجع حزبيهما، وتقدم الخصوم والمنافسين، موضوعات مقلقة، يمكن ان تساهم الانتخابات، والمرحلة اللاحقة لها في توجيه مساراتها، وتحديد ايقاعاتها، وتشخيص مساحاتها.