في ظروف العراق، يرى البعض عن حق استحالة الاصلاح، ما لم تتصد له الدولة وقادتها.. فهي المالكة لمعظم الاصول.. والقادرة على التشريع وفرض القانون.. وتوفير المناخات اللازمة لانجاز هذه المهمة.. فالدولة استطاعت ان تضع يدها بالتدريج على كامل موارد النفط بعد تخصيصه كاملاً لمجلس الاعمار.. وعلى الارض (١٩٥٨).. والصناعة(١٩٦٤).. والتجارة الخارجية ومعظم الداخلية.. ووضعت اليد على القضاء واحتكرت السلطة وتداولها.. واستلبت الحريات العامة والخاصة والتعليم والاعلام والنقابات والاتحادات والاحزاب. فالاقتصاد والاجتماع المحتكران بالمطلق ينتجان دولة وسلطة محتكرة بالمطلق.
وبعد ٢٠٠٣ ظهرت بعض ملامح الاصلاح خصوصاً عبر اعادة مالكية النفط للشعب.. واطلاق الحقوق الخاصة في الملكية والاستثمار.. والصحة والتعليم.. والاعلام.. واللامركزية والفيدرالية والانتخابات.. واعتبار النظام نظاماً برلمانيا.. والهيئات المستقلة. فدون ازالة الاحتكار لن تصلح الدولة نفسها، ولن يعود المجتمع وقطاعاته للظهور.. فالمجتمع تحلل في الدولة.. وصارااقرب للحقيقة الواحدة بدل الحقيقتين.. فقيل "صدام هو العراق، والعراق هو صدام".. وصارت الدولة رعاية اجتماعية.. والوظيفة وحقوقها، اعانة وهبات وليس عملاً وخدمة. فاموال النفط سهلة، فعم الفساد..الخ.
تحققت بعض المكاسب، لكنها تتآكل امام تأخر الاصلاح وتناميعجزها في الصالح وبأسها في الطالح.. ولتصبح، قبل غيرها، العائق الاساس لترشيد نفسها واعادة الحيوية للمجتمع وقطاعاته.. متناسية ان جميع المظاهر السلبية للاخير هي جزء من المظاهر السلبية التي انتقلت اليه من الدولة الريعية الاحتكارية، بعد ان اصبح المجتمع نتاج الدولة وليس العكس.وبعد فقدانهلوجوده المستقل الحقيقي، الذي يسمح بمحاكمته ككيان قائم بذاته.
اعد مؤخرا مشروع "قانون الاصلاح الاقتصادي"، الذي يرسم المبادىء السليمة لاعادة الاولوية للمجتمع ونشاطااته.. وتحرير الدولة من جميع المصالح التي جعلت منها تاجراً ومزارعاً ورجل اعمال وصناعياً وصيرفياً واعلامياً وحزبياً ونقابياً فاشلاً وفاسداً. والمطلوب النية الاكيدة لتقنين القانون وتطبيقه فعلاً.. فالرهان صعب.. فكما قاد الاحتكار الاجتماعي والاقتصادي الى استبداد سياسي.. فان عودة الحقوق والحيوية للمجتمع بقطاعاته سيعني ضربة قاضية لنظام الاستبداد والاحتكار.. ففي ظروف كبلدنا –وتحكم الاستبداد واحتكار الدولة طويلاً- يعني تصدي رجل الدولة للاصلاح الانتحار الذاتي الايجابي لمفاهيم وسلطات وصلاحيات الزعيم الاوحد والقائد الضرورة. عندها تكون الدولة ورجالاتها قد لعبوا دورهم المطلوب.. وسيخلدهم التاريخ كمصلحين انقذوا بلادهم، بتذويب ذواتهم، لمصلحة بناء دولة المواطن والمجتمع المنتج الصالح.
عادل عبد المهدي