ماجرى يوم الخميس الماضي تحت قبة مجلس النواب العراقي يستحق اكثر من وقفة ويستدعي اكثر من قراءة موضوعية ومنصفة ومحايدة بعيدا عن المواقف والتوجهات المسبقة والحسابات الخاصة والضيقة، وكذلك فأن ما ظهر من ردود افعال بعد ذلك يستحق ويستدعي هو الاخر اكثر من وقفة واكثر من قراءة من اجل ان لاتمر الامور –بأيجابياتها وسلبياتها-مرور الكرام، فما هو صحيح لابد ان يترسخ ويتكرس ليصبح مبدأ ثابتا ومنهجا مستمرا، وما هو خاطيء لابد ان يعالج ويقوم حتى لايستفحل ويستشري ويتعاظم.
طرح موضوعة الثقة بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات على طاولة مجلس النواب، بعد عدة جلسات استجواب مهنية لرئيس واعضاء مجلس المفوضية، مثل ممارسة ديمقراطية مهمة، وعبر عن سياق مهني دستوري لمجلس النواب، في اطار دوره الرقابي على مختلف المؤسسات والمفاصل التنفيذية في الدولة، ذلك الدور الذي بقي لفترة غير قصيرة اما معطلا او مرتبكا وضعيفا او مشتتا بحكم الاصطفافات والمحاور السياسية المتعددة والمتقاطعة في مصالحها واجنداتها.
اضطلاع البرلمان بدوره الحقيقي يعد مؤشرا ذي دلالات ومعان مهمة يبعث على قدر كبير من التفاؤل بصرف النظر عن طبيعة القضايا-او القضايا-المطروحة، وبصرف النظر عن المواقف المتخذة من قبل ممثلي ابناء الشعب العراقي تحت قبة البرلمان.
بما ان النظام السياسي في بلادنا هو نظام برلماني، فأن قوته وتماسكه تنبع من قوة وحضور وفاعلية البرلمان، ومتى ماكان الاخير ضعيفا او غائبا او مغيبا، دب الضعف في كل منظومة النظام السياسي، وها ما لمسناه بوضوح في مناسبات واوقات عديدة.
ينبغي ان لاينعكس الحراك البرلماني بسياقات الدستورية السليمة سلبا على الحراك السياسي العام، بل على العكس تماما يجب ان يكون الاول معززا ومقوما ومفعلا للثاني، في ذات الوقت من الخطأ التشكيك بوطنية واخلاص وصدق ونزاهة الاخر لمجرد انه لم يتوافق مع رؤيتي وموقفي.
النجاح الحقيقي للعملية السياسية وكل ما يرتبط بها من مفردات وعناوين امنية واقتصادية وحياتية واجتماعية في الانظمة والمجتمعات الديمقراطية، ومن بينها العراق طبعا، يكمن في الاختلاف-ولانقول الخلاف-ضمن اطر وحدود الدستور، وتحت سقف المصالح الوطنية العامة، وعلى اسس وقواعد الشراكة الوطنية الحقيقية في الحقوق والواجبات على حد سواء.
٣٠-يوليو-٢٠١١