ثم أني لست بمنجم ولا فتاح فال، ولكني وبحكم خبرتي المتواضعة أيقنت وبالدليل القاطع والملموس أن لهذا الشعب المنكوب والمظلوم له حوبة كبيرة، وأن دعوات المظلومين فيه صاعدة للسماء لامحال، ولايحجبها حجاب ولا يسترها ستر، لتشتكي إلى بارئها حجم درجات المظلومية والمحرومية والقتل والابادة والفساد وسرقة أقوات الناس، لياخذها ربها أخذ عزيز مقتدر "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد".
فضلا عن دعوات العراقيين في صلواتهم الخمس وفي صيامهم وحجهم وعمرتهم وزياراتهم لمقامات ومشاهد أهل البيت الكرام"صلوات الله عليهم اجمعين"وفي جميع المناسبات الدينية والاجتماعية.
وإذا افترضنا أن دعوة ٣٥ مليون عراقي غير مستجابة ( ولو أن هذا الافتراض باطل وجائر ولايعتد به ابدا)، ولكن لو سلمنا بصحة هذا الاقتراض جدلا، فهذا لايعني أبدا أن هذا المجتمع العملاق المختلف الأجناس والديانات لايحتضن في ثناياه ولو شخصا واحدا مستجاب الدعوة على الأقل؟!!
والله وأن هذه الدعوة المستجابة الواحدة قادرة على أن تزحزح الجبال وتجري البحار وتسخر الرياح وكذلك يستجيب لها الجعل التكويني الإلهي لتغيير واقع الحال من حال إلى حال ب"رمشة عين" بقدرة الله الجبار المنتقم،" والياكله العنز يطلعه الدباغ".
نعم وهناك الآلاف بل الملايين من العراقيين ممن تستجاب دعواتهم"والله أعلم"، ولكن هل من مقلع؟.
فعن رسول الله (ص) أنه قال:
واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب.
فالله تبارك وتعالى يرفع دعوة المظلوم إليه
فوق الغمام ويقول لها: "وعزتي وجلالي،لأنصرنك ولو بعد حين".
والمظلوم لا ترد دعوته، ولو كان كافرا أو فاجرا ،
فإن كفره أو فجوره إنما هو على نفسه.
ومن حكمة الله عز وجل أن جعل العقوبات التي أصابت الأمم المعذَّبة
تفاوتت بتفاوت جرائمهم وعصيانهم لله عز وجل وكان عذاب كل أمة
بحسب ذنوبهم وجرائمهم فعذب:
قوم عاد ب "الريح الشديدة
العاتية" التي لا يقوم لها شيء.
وعذب قوم لوط
بأنواع من العذاب لم يعذب بها أمة غيرهم، فجمع لهم بين "الهلاك،
والرجم بالحجارة من السماء"، "وطمس الأبصار،
"
و"قلب ديارهم عليهم بأن جعل عاليها سافلها"، و"الخسف بهم إلى أسفل سافلين".
وعذب قوم شعيب "بالنار" التي أحرقتهم وأحرقت تلك الأموال التي اكتسبوها بالظلم والعدوان.
وأما ثمود فأهلكهم ب "الصيحة" فماتوا في الحال.
ومن اعتبر أحوال العالم قديماً وحديثاً، وما يعاقب به من يسعى في الأرض بالفساد،
وسفك الدماء بغير حق، وأقام الفتن، واستهان بحرمات الله؛
علم أن النجاة في الدنيا والآخرة للذين "آمنوا وكانوا يتقون".
ولكن من لطف الله بعبده الظالم أن يمهله لعله يتوب ويؤخره
لعله يقلع فإذا ما تمادى في ظلمه فربما أخَّره ليزداد في الأثم، ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر، لأنه قد استحق العقوبة.
"ربنا لاتؤاخذنا بما فعل السفهاء مناربنا انك غفور رحيم"
نحن على ثقة ويقين راسخين على أن هذا الخطاب لايؤثر في المفسدين"السكارى" ولا في عقولهم "السكرانة" قيد أنملة للإقلاع عن ماجنت أيديهم بحق العراق والعراقيين حتى لو تكلمنا معهم إلى ماشاء الله، ذلك لذهاب عقولهم بسبب تأثير " مسكر الفساد" عليها، ولكن هذا الخطاب مواساة لنفوسنا التي أتعبها هؤلاء.
فتجلدا وصبرا جميلا لحكم الله فيهم إن آجلا أو عاجلا وأنه سبحانه وتعالى"يمهل ولايهمل"وان غدا لياطره قريب.
وما ألجأنا لهذا النوع من الخطاب والتظلم إلى السميع المجيب، لأن ملايين الخطابات ذهبت ادراج الرياح ولو انها وجهت لجبل من حجر وصخر لأخذن منه مأخذا، ودعونا أن نتأسى بابيات من نصيحة لما اشتهر به الشاعر الفارس عمرو بن معدي كرب بن ربيعة الزبيدي، في قصيدة له الأبيات التالية:
ألا غدرت بنو أعلى قديما
وأنعم إنها ودق المزاد
ومن يشرب بماء العبل يغدر
على ما كان من حمى وراد
وكنتم أعبدا أولاد غيل
بني آمرن على الفساد
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نار نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في رماد .