وكنا نعقد حلقات لترجمة معاني القران الكريم.. وكان بيننا الجار والصديق والمفكر الراحل الاستاذ في "المدرسة العليا المعمارية" "جان لو هربر" او "عبد الحليم هربر" وزوجته.. وخلال الجلسات برز خلاف واضح، لعل سببه التربية والخلفيات التاريخية والحضارية بيننا كمسلمين من الشرق، وبين الاخوة والاخوات من مسلمي فرنسا. ثار نقاش حاد نسبياً حول الاشكال الحضارية كاللباس والقيمومة والاختلاط.. وفي لحظة من النقاش قلت لزوجة المرحوم "عبد الحليم".. لقد درسنا علومكم، وتعلمنا لغتكم، فلا تعلموننا اليوم ديننا. وفاتني ان اصدقاءنا قبلوا الاسلام بعد دراسته.. والاقتناع به وتعليماته.. فكانوا يرون بوناً شاسعاً بين ما يقول به الاسلام وما نمارسه كمسلمين.. اما نحن فلقد دخلنا الاسلام لاننا ولدنا لاباء مسلمين.. وعند رشدنا، لم نقم ما يطالبنا به الاسلام، بان نراجع انفسنا، ونؤمن به حقاً، وليس عادة او وراثة. كانت الحادثة درساً بليغاً لي للمراجعة.. وبدأت افهم كيف اختلطت الكثير من الممارسات الاجتماعية والعشائرية والتاريخية بوعينا، وصرنا نراها جزءاً من ديننا، بينما هي في الواقع ان لم تمحص قد تكون ابعد ما تكون عنه، بل بعضها حرام ومعصية. دفعتني الحادثة للتفكير المعمق ودراسة الموضوع.. وكتبت ورقة قدمتها لهم في لقاء لاحق.. قلت فيها ان اختلافنا كان لاننا لم نضع كل شيء في حدوده وتعاريفه الصحيحة والسليمة.. فلقد تعاملنا مع مفهومي الرجل والمرأة كعناوين مطلقة.. وكان يجب ان تعريف وتوصيف كل من الحالتين. وتكلمت عن ثلاث حالات رئيسية، اقروا بها، فكانت السبب لعودة البحث والفهم المشترك بيننا. فالمرأة باعتبارها كائناً بشرياً وادمياً مساوية تماماً للرجل.. وبهذا العنوان خطابها الله جل جلاله، بدون اي تمييز.. بلا فرق وتمييز. والمرأة ثانياً امٌ.. تحمل ما لا يحمله الرجل من رحم وامومة، وبهذا العنوان قدمها سبحانه وتعالى على الرجل، وجعل الجنة تحت اقدامها. والمرأة ثالثاً انثى.. تختلف وتتمايز جسدياً ونفسياً واجتماعياً.. وان احترام هذه الخصوصية يتطلب التمييز الايجابي وليس السلبي.. للرفق بها، ولحماية انوثتها، وحقوقها وخصوصياتها المترتبة على هذا الواقع.. فلا يكون سبباً للعنف والاستضعاف والاهانة والتمييز والاحتقار، كما يفعل كثيرون باسم العادات والتقاليد والدين للاسف الشديد