فاختلال التوازنات ولد فراغات كبيرة تجتاحها شتى التيارات الايجابية والسلبية.. وتجد المراكز العالمية المزيد من الصعوبات لحفظ التوازنات الاقليمية.. وتواجه المراكز الاقليمية نفس الصعوبات.. ليصل الامر للنظم ذاتها. فترتيبات الحربين العالميتين، تتهاوى سلماً وعنفاً.. كما في ايران وتركيا والعراق وعموم المنظومة الاقليمية. فما يحصل ابعد من طموحات للتوسع ومؤامرات وطائفيات وعصبيات، وإن حملت خلفيات وواجهات لذلك.
انتهت مرحلة الحروب الواسعة ونعيش مرحلة الحروب المحدودة، والارهاب منها. فالقوى المختلفة عرفت قدراتها وصعوباتها.. ونحن نشهد مرحلة التسويات والاتفاقات على التوازنات الجديدة.. فرغم تيارات معارضة وخارج مساحات الضبط، تتنادى التيارات الاساسية لمختلف القوى لتطويق التصادمات، كما في سوريا والانبار، وليس لانتشارها كالسابق، ومثالها الحروب مع اسرائيل، والحرب العراقية الايرانية، واجتياح الكويت والعراق، الخ.
ان "الاتفاق النووي"، و"جنيف ٢"، اقرار شبه جماعي بمرحلة معقدة من التسويات والاتفاقات بقوى، وتوازنات جديدة. اللاعبون الجدد والقدامي الذين سيرعون الخارطة الجديدة هم على الصعيد العالمي امريكا ومعها اوروبا وحلفائهما.. وروسيا ومعها الصين وحلفائهما. وفي منطقتنا تركيا وايران والسعودية كممثلين لمصالح متداخلة منفصلة.
سيجتمع الامريكان والروس ليقررا مشاركة ايران في "جنيف ٢". لن يختلفا حول دور ايران المؤثر في سوريا والمنطقة. فإن تقررت المشاركة، فستكون الاجتماعات اطاراً لبدء التسويات المعقدة، ليس في سوريا فحسب، بل خارجها ايضاً. وإن تعذرت المشاركة.. فسيصبح "جنيف ٢" لقاءاً بروتوكولياً لينتقل مركز الحوار الاساس "لقاعات خلفية"، محورها امريكا وروسيا وايران وتركيا والسعودية. فسوريا بُعدٌ اقليمي ودولي.. والحل فيها له علاقة بالعراق ولبنان والخليج واسرائيل وافغانستان والنووي والمنطقة عموماً. فان حصل احد الخيارين ودخلنا للمنطقة عبر سوريا، او لسوريا عبر المنطقة، فسنرى بوضوح اكثر، ملامح توازنات المرحلة القادمة. وبخلافهما سيستمر التأزيم والتصادم المحلي والاقليمي، حتى تقتنع الاطراف المؤثرة، ان التوازنات الجديدة هي افضل ما تستطيع الحصول عليه، عند حساب مجمل ارباحها وخسائرها.
العراق لو احسن حل مشكلاته الاساسية الداخلية خصوصاً العلاقة بين مكوناته وحصولها جميعاً على حقوقها كاملة.. ولم ينشغل بامور فرعية، لكان جند ليس القوى والظروف الكافية للتقدم ولانهاء الارهاب فقط، بل لاحتل ايضاً دوراً محورياً في الخارطة الجديدة، لمكانته وامكانياته العظيمة.