من يرفض عراق ٢٠٠٣ وحكومته وجيشه ودستوره، فالاحرى به اكثر رفض عراق الانتداب وجيشه ودستوره واستقلاله (١٩٢١-١٩٣٢)، وما بعده.. فالرفضان مزاجيان والاخذ باي منهما نفي لحقيقة العراق.. فالاستقلالية والقوة تلد من رحم التابعية والضعف.. وهذا رهن بتعزيز ومراكمة عوامل التمكين والوحدة. فرغم الارتباطات اللامتكافئة ببريطانيا خصوصاً، لكن عود العراق الداخلي تصلب تدريجياً.. وبدأ بلعب دور مبادر ومتصاعد قبال مصر.. لتدور في فلكهما ايضاً الكثير من القوى. شكلت مصر القوة "الثورية" المتحالفة مع المعسكر الاشتراكي، وقوى مؤتمر باندونغ.. وشكل العراق متحالفاً مع تركيا وايران والمعسكر الغربي القوى "المحافظة" يومها. وبسبب الانقسامات الاجتماعية والسياسية، والحرب في كردستان، تراجع دور العراق كنتيجة لاستهلاك قوى الدولة والشعب في الصراعات المحلية. ولم يتمكن من استعادة بعض مكانته الا في بداية السبعينات، عندما قضت هزيمة ١٩٦٧ على دور مصر.. والتطورات النفطية التي منحت العراق موارد عظيمة.. جعلت منه دولة قوية مانحة، ومحوراً تدور في فلكه الكثير من القوى. ومرة اخرى تقود انحرافات السياسة الداخلية والتفرد والقمع والاستبداد، والنزوات والحروب لتراجع العراق.. فوضع تحت العقوبات والرعاية الاممية (١٩٩٠).. بل تحت الاحتلال (٢٠٠٣).. ففقد كامل وزنه الاقليمي والدولي، بعد فقدان كامل توازنه الداخلي.
كانت تلك التجارب بمآسيها كافية لندرك ان القوة والاستقلالية والمكانة الخارجية، رهن بالابتعاد عن المغامرات والازمات، وبترتيب البيت الداخلي وتحقيق شراكة المكونات كاملة.. فذهبنا لدستور ونظام انتخابي وبرلماني، وتنظيم علاقة الدولة والشعب، واستثمار مواردنا العظيمة، وإنهاء المديونية، والخروج من الفصل السابع وانسحاب القوات. سياقات –لو احترمت واستكملت- لطوقت اعمال القتل والارهاب، والتدخلات الاجنبية.. ولمنحت الشعب حقوقه، والبلاد وحدتها وقوتها.. لتتبوء مكانتها الاقليمية، خصوصاً في ظروف الاضطراب للانتفاضات العربية.. المطالبة بالدستور والانتخابات والديمقراطية.. والتي سبقهم العراق فيها.