وأكثر قمعاً ، والتلاعب بقوت الأمن العراقية لخدمة المصالح الخاصة للحزب الحاكم ، وتجنيد الجيش العراقي ، وتخليه من مهمته الدستورية في حماية حدود الوطن ، إلى النزول إلى الشارع وتشكيل السيطرات التي شكلت عبئاً حقيقاً على المواطن العراقي ، والتي نتساءل فعلاً هل هناك جدوى بهذه السيطرات ؟ وهل ألقى الجيش العراقي القبض يوماً على إرهابي في السيطرات ، أو هل ألقى القبض على سيارات مفخخة ؟!!
كما أن هذا التحرك الغير مدروس إلى الانبار ، وتحول الإرهاب من الصحراء إلى المدن بين ليلة وضحاها ، شكل عداء من السياسيون السنة ، مما جعلهم يتحصنون أكثر فأكثر ، ويشتدد العداء للعملية السياسية أكثر فأكثر ، واخذ البعض منهم تقديم الدعم المالي والمعنوي للقاعدة في الانبار ، كما انه اوجد رفضاً سياسياً سنياً متزايداً لممارساته واستغلال الدعم السياسي الشيعي له لتحقيق مكاسب شخصية في ظل تراجع شعبيته بعد الإخفاق الكبير في الخدمات والملف السياسي وأزماته ، وتراجع الوضع الأمني في العراق .
هذه الحكومة قامت على أساس اتفاق اربيل ، والذي تهرب فيها رئيس الحكومة من تنفيذ بنودها ، بتقاسم السلطة بين البارزاني والمالكي والنجيفي ، والتي كان من المفترض أن تخرج بحكومة الشراكة الوطنية يمكن ان تساعد في تقريب وجهات النظر بين الشيعة والسنة ، كما انه زاد من التوتر مع الأكراد عبر افتعال أزمات متكررة ، الغاية منها الكسب الإعلامي والتعاطف الشعبي ، والشعب بدوره لا يعمل ما تحت الطاولة ، بل يقرأ فقط ما يقوله الأعلام ، والذي يوجه بصورة متقنة ودقيقة جداً ، فما ان تجد الحكومة نفسها في زاوية ضيقة ، حتى تبدأ التنازلات الكبيرة والكثيرة ، والتي توثر بالسلب على مصالح المواطن العراقي الذي عاني الويلات من هذه الحكومات المتعاقبة بعد سقوط النظام البائد .
القاعدة من جهتها مارست على الدوام الرعب والقمع والعنف وبنحو مرعب تجاه الشعب العراقي ، فأصبح رهينة الإرهاب والسياسات الخاطئة ، وأصبح المحرقة التي يشعلها الإرهاب والسياسيون ، فأسلوب القتل الذي اتخذته القاعدة وفرض سيطرتها السياسية ومطالباتها بفرض شكل معين من أشكال السلوك الاجتماعي والذي ينعكس بالسلب على السلوك العشائري في العراق ، ولا يكاد يقدم شيئاً يذكر لجهة القيم الإسلامية الحقيقة .
كما أنها وصلت إلى طريق مسدود اقتصادياً واجتماعياً ، حاله حال كل الحركات الإرهابية الجديدة المتطرفة ، فهي لا تقدم أي نهج عملي للتحرك والتنافس ،بل تقدم الموت والذبح والمفخخات للشعب العراقي ، كما أنها تمول نفسها بنحو كبير من خلال الابتزاز بأساليب تشل الاقتصاد المحلي .
هذا الوجه الثاني للإرهاب هو السياسي ، والذي انكشف وجهه بصورة واضحة في أحداث الانبار والذي عكس الصورة السوداوية ، ونقلت هذه التناقضات على أرض الواقع ، فسياسيين امتهنوا الدفاع عن حقوق مواطنيهم وهذا الشيء سليم لا يمكن لأحد الشك به ، ووقفوا على منابر ساحات الاعتصام للمطالبة ، بالرغم من وجود ساحات أخرى أكثر فاعلية هي ساحات البرلمان ، والصوت فيه يكون أكثر سماعاً وأكثر حضوراً ، ولكن يبدو انه هولاء السياسيين وجدوا أن الهواء الطلق ، وقطع طريق أرزاق الشعب العراقي هو أكثر الطرق وصولاً للصوت المطالب بالحقوق ،في حين نجد أن تظاهرات الانبار لم تمتد إلى المحافظات الأخرى لأسباب تتعلق بالخصوصية والتوجهات التي يحملها المتظاهرون، ودخول تنظيم القاعدة على خط مطالب المتظاهرين، وتشابك الوضع بين العراق وسوريا عبر الانبار. جعلت من الوضع يسير نحو التأزم ، ومن اجل استئصال هذا الوباء الخطير الذي يسمى (الإرهاب) من صدور وعقول العراقيين يجب على الكتل السياسية الكبيرة عدم النظر بحكم الأكثرية لان حكمها للبلاد بهذه الطريقة العشوائية سيؤدي إلى ظهور دكتاتورية جديدة وحكم الحزب الواحد ، والذي أودى العراق إلى الهاوية ، فالإرهاب يضرب من جهة والسياسيون يحطمون آمال شعبهم من جهة أخرى .