ولكن، يتبادر إلى الذهن السؤال التالي هو أن: من ظلمهم؟
والجواب: ان لاجواب لديهم لأن الجواب يحتاج إلى دليل قاطع، خصوصا إذا كان في مضمونه أن الشيعة هم من ظلمهم.
ودائما مايصرحون-أي بعض المتأزمين منهم ممن جرفهم التيار الناصبي- بأن مظلوميتهم لاتدفع، ورد اعتبارهم لايعود، إلا عن طريق "الاعتداء والضغط على الشيعة والتنكيل بهم، وممارسة ظاهرة الذبح والتقتيل فيهم بطريقة وحشية على غرار الطريقة الأموية"، تاركين من ظلمهم وسلب حقوقهم وراء ظهورهم، ويكأن الشيعة هم من ظلموهم وسلبوا كرامتهم وهظموا حقوقهم!
وعندما تسألهم عن ذلك، أين ومتى؟
أيضا لاجواب!
ثم لو رجعنا إلى الوراء قليلا، ولنعرج إلى ماقبل الوراء عير صفحات التاريخ الاسلامي، لتبادر إلى الأذهان هذا السؤال المنصف هو أن: من ظلم من؟
الشيعة ظلموا السنة أم السنة ظلموا الشيعة؟
والجواب المنصف لهذا السؤال المنصف والذي يفرق بين الحق والباطل هو: "أن الظلم يحتاج إلى ظالم، وستزداد فرص ممارسة الظلم طرديا إذا كان الظالم حاكما، من أمثال: معاوية ويزيد وعبد الملك بن مروان والحجاج وعبيد الله بن زياد وأبو العباس السفاح والمنصور الدوانيقي وهرون اللارشيد والمأمون والمتوكل وصدام، والقائمة تطول، وواحدة من مصاديق الحاكم الظالم تبوءه دكة 'الحكم' بدون أي وجه حق، أي بطريقة الظلم أيضا، فهل في تاريخ الشيعة من ينطبق عليه الوصف الآنف؟
الجواب: منذ وفاة الرسول الأكرم(ص) والى يومنا هذا مرورا بفترة الخلفاء الراشدين والدولة الاموية والعباسية والعثمانية وما تلاها من فترات مابعد سقوط الدولة العثمانية وصولا لفترة حكم صدام الطائفي، لوجدنا أن لافرصة مميزة لحكم الشيعة على السنة على الاطلاق إلا اللمم، وأن لاوجود لشخص حاكم شيعي من بين قائمة الحكام الظلمة اطلاقا،لأن 'فاقد الشيء لايعطيه'."
وكان هذا التاريخ حافل بالجرائم النكراء، ألخصها: بمخالفة وصية الرسول (ص) في حجة الوداع يوم غدير خم، تبعتها رزية الخميس 'المعروفة' والتي حدثت أثناء احتضار الرسول(ص)، تبعتها رزية السقيفة التي أدت إلى الانقلاب في نظام الحكم الاسلامي الذي أسس له النبي محمد (ص) بوحي من السماء، وحجب استحقاقات المرحلة المتعلقة بوصية النبي (ص) في يوم الغدير بتنصيب الامام علي(ع) خليفة من بعده للمسلمين، ورزية أخرى كانت هي السبب وراء استشهاد ابنة الرسول فاطمة الزهراء(ع)، ثم سلب حقوقها وحقوق أهل بيت النبي(ص) واحدا تلو الآخر، وقتل آلأئمة من بعده واحدا بعد آخر بالسيف وبالسم، وأبشع قتلة فيهن مقتلة الامام الحسين (ع) واخوانه واولاده واصحابه في العاشر من مجرم سنة ٦١ هج وسبي عائلة بيت الرسول الأكرم(ص) بسابقة مريبة لم يكن لها مثيلا في التاريخ الاسلامي قدر تعلق القضية بشخص النبي محمد(ص)، وكذلك الحاق الاذى والقتل بشيعتهم باقسى صنوفه، والممتد إلى يوميا هذا بالذبح على الهوية والمثلة بالرؤوس، يركلونها بأقدامهم كركلهم كرة قدم، إذ لاريب في الأمر ولاعجب، فافعالهم المشينة هي امتداد طبيعي لسنخة اسلافهم النواصب، إذ فعلها جدهم خالد بن الوليد عندما جعل "رأس مالك بن نويرة" بعد قتله، جعله كواحدة من روافع أحد قدور الطبخ على النار، واغتصب زوجته في ليلة قتل زوجها، هذا مافعله الذي يسمونه ب "سيف الله المسلول" بعد سرقة هذا الاسم من الامام علي (ع) الذي سماه به الرسول (ص) تكريما له في أحد المعارك، ونحلوه لخالد ، ومافعله يزيد وعبيد الله بن زياد(لعنة الله عليهما) باللعب برأس الحسين وضرب ثناياه بالمخصرة ومافعلاه من المثلة برؤوس واجساد شهداء الطف بالقصة المعروفة للجميع أمر لايقره الإسلام ولا الانسانية ولا الضمير.
وما قاموا به من تنكيل وتهجير وإبادات جماعية ونبش القبور واكل الأكباد والقلوب في ذاك العصر وفي عصرنا هذا، دليل آخر لايدل إلا على انحراف نهجهم وسوء عقيدتهم.
وهدم الكعبة وضربها بالمنجنيق وحصار مدينة الرسول (ص) وإباحتها ثلاثة أيام وقتل من فيها من الصحابة من جل صحابة النبي(ص) وفض بكارة مايزيد على ألف من الفتيات.
فهن سوابق تبكيهن العيون وتلطم لهن الخدود وتشق لأجلهن الجيوب.
والحوادث جمة يندى لها الجبين."
وكل تلك الحوادث يدعي قائموها بإنتمائهم لأهل السنة والجماعة، حتى وصل بهم الأمر أن يشرعنوا جرائم "المتوكل العباسي" أن يثنوا عليه ويكرموه باطلاق لقب "محيي السنة".
والسؤال: من القائم بتلك الجرائم؟
هل الشيعة هم من قاموا بها؟
والتاريخ هو اولى منا بالجواب إذا كان منصفا وغير مدلسا.
عود على بدإ، لنسأل الأسئلة التالية:
من كانوا قادة الدولة العثمانية، الدولة السنية الكبرى المترامية الأطراف من الشرق للغرب؟
ومن أسقطها؟
ومن كان متنفذا في الدولة الاستعمارية التي اسقطت آل عثمان وحكمت على أطلالها؟
ومادور الشيعة في سبب محنة أهل السنة في تواتر الأحداث؟
الجواب: ان سبب محنة أهل السنة وسبب سلب كرامتهم، هم: "حكامهم الذين ذلوا وأذعنوا وركنوا للكفار".
وكانوا أهل السنة هم أنفسهم قادة الدولة العثمانية! وهم الذين أسقطوها بمؤامرة قوادهم وبمساعدة قادة السنة أيضا، كما جرى في العراق والشام ومصر وشمال افريقيا، والتي انبثقت على اثرها الفتن السياسية في ذلك الحين على خلفية تلك الأحداث، فجعلت أهل السنة في محنة عقائدية، لاوجودية اطلاقا، لأن الكفار منحوهم امتيازات وحياة ودولة ظاهرية دون غيرهم من المذاهب، التي تشكلت على اثرها حركات الاخوان بشقيها: شق حسن البنا، وشق آل سعود، وقرعيهما المخابراتية التابعة للمخابرات المركزية، واللتان شكلتا نواة تنظيم القاعدة الارهابي، وانتعشت الوهابية أيما انتعاش كأدوات طيعة بيد الغرب.
فإذا كانوا يريدون إعادة اعتبارهم "فعليهم أن يراجعوا حقيقة مأساتهم" وعليهم أن لايتهموا الشيعة بهذه التهم الباطلة، فلا الشيعة حاربوهم ، ولا أخذوا السلطة منهم ، وما كانوا سببا في تقليل قيمتهم التي باعوها بأنفسهم بإطاعة الحاكم الجائر، حتى وان كان ظالما أو قام بجلد جلودهم واخذ اموالهم بحسب فتاوي علمائهم، الحاكم الذي باعهم للأجنبي وصادر اعتبارهم ووطنيتهم، ولن يرضوا عن الحاكم العادل والوطني والمخلص، فإذا بدا لهم هذا قتلوه كما فعلوا بجمال عبد الناصر وعبد الكريم قاسم.
كل مافي الأمر أن الشيعة لم يوافقوا حكامهم على الأرتماء باحضان الكفار وإهانة الإسلام والمسلمين، وكانوا يدافعون عن أهل السنة دفاعا مستميتا في جميع الاوساط، وهذا العامل بطبيعة الحال يزعجهم ظنا منهم على انه استفراد للشيعة " واقتطاف المواقف والمبادرات الحسنة" فيشعرهم بالدونية.
كما واعتبروا ثورة شباط ١٩٧٩ الايرانية واسقاط نظام الشاه المقبور كارثة لأهل السنة، في حين أن إيران كدولة وكشيعة لم يؤذوا سنيا واحدا، ولم يأخذوا سنيا بجريرة آخر، بالعكس تماما من نظام صدام الطائفي الذي سبى العباد والبلاد، وملأها مقابرا جماعية وسجونا وقمعا وتهجيرا.
كما كبد إيران ٦٠٠ ألف صحية وأكثر من مليون ضحية شيعي عراقي بمعارك طائشة ليس لها أول ولا آخر وبدعم إستثنائي من دول المنطقة.
كما وللثورة الإيرانية فضلا على الدول العربية لتخليصها من نظام الشاه المتغطرس الذي أشبع دول الخليج ذلا وتعزيرا، حتى بلغ به الأمر أن لايعين وزيرا في الدول العربية حتى وإن كان من العائلة المالكة إلا بتوقيعه، "ومن لايعرف هذه الحقيقة لايعرف شيئا في السياسة".
وكان الشاه أيضا يرتبط مع دول الاستكبار واسرائيل بعلاقات مشبوهة، والخليج كانوا له تبعا وأذناب وكان مذلا لهم أيما اذلال، بينما الثورة الإيرانية أذلت مذلهم وعززت عزيزهم ورفعت مكانتهم وشأنهم، "وبدل ذلك أصبحت الابواق تعزف المعزوفة السخيفة على انهم فرس مجوس وصفويون أنجاس، وأنهم العدو الأول، كما وألصقوا هذه الصفة لمواطنيهم عرب العراق الشيعة الذين ضحوا لأجلهم بمليون شهيد في معارك الطيش ضد إيران الاسلامية، والى حد هذه اللحظة فإن المعزوفة مازالت قائمة، تعزف في فضائياتهم وإعلامهم المأجور وفي منصات التظاهر بما يسمى ب"الصمود والتصدي" دون ادنى خجل أو حياء (وهل جزاء الاحسان إلا الاحسان)."
مايؤسفنا أن العرب صدقوا هذه المعزوفة السخيفة "فكانوا نسخة من الغباء الاجتماعي في المجتمعات المتخلفة ثقافيا"ذلك لأن المجوسية لاتجتمع مع الإسلام، وإذا كان هذا عارا على شريحة معينة من المسلمين بتولي أهل بيت الرسول الأكرم(ص)، والهدي بهديهم بوصية من الرسول الأعظم نفسه(ص) فالاولى بالعار هو من يدعي الإسلام ويتخلق بأخلاق الاعراب الذين -ورد ذكرهم في القرآن الكريم بالنفاق، بلحاظ موالاتهم لأعداء الرسول وآل بيته الكرام(صلوات الله عليهم اجمعين)- يذبحون، ويقتلون على الهوية، ويفجرون وسط الناس الآمنة، ويعملون المثلة بالجثث والرؤوس، ويأكلون القلوب والأكباد، وينبشون القبور، ويرتكبون المحرمات ماظهر منها ومايظن، ويكفرون الآخرين، ويدنسون المقامات، والقائمة تطول.
أو هو من كان سلجوقيا وينتحل العروبة ويتكلم باسمها بما يفرق شمل الأمة، ويؤسس للطائفية والاثم والعدوان.
على المثقف السني، أن يتساءل عن سبب هذه التداعيات، وعن سبب ومفاهيم تداول هذه المصطلحات النشاز في الوسط السني والتي دائما ماتتكرر على رأس كل ساعة، والتي لاعلاقة لها أصلا بالواقع المرير هذا لا من بعيد ولا من قريب، وإن يعيد حساباته وسيكتشف بنفسه الحقيقة التي غيبها عنه عتول وأجلاف هذه الأمة من المتأسلمين اتباع الحزب الأموي المعادي للرسالة المحمدية، وسيكتشف حينها انه مهزوم امام الغرب وليس امام الشيعة، وعليه أن يعيد كرامته منهم وليس من الشيعة، الشيعة الذين عبروا عنهم بأنهم "أنفسهم" وليسوا اخوانهم فحسب، والذين "حرموا قتالهم حتى وإن قتلوا نصفهم".
وعلى المثقف السني أن يفكر بعين الواقع وليس بعين الطائفية العوراء، وأن يحث أبناء جلدته إذا ارادوا إعادة اعتبارهم فليصيبوا رمياتهم خارج الحدود، لافي صدور اخوانهم الشيعة، فإن الشيعة هم من يمنحهم هذا الاعتبار كمسلمين ، وهم من يدفع عنهم الذل والظلم والحيث بمواقفهم المشرفة والمناهضة لقوى الاستكبار، وهذي الابواق عندما تعزف على هذه المعزوفة بوتيرة مزمنة إنما تعزف لصالح تلك الأطراف ولمصلحة اسرائيل حصرا، وهو عمل يسعد إسرائيل ويقويها على العرب، لتستعلي على أهل السنة والشيعة كلهم دون سواء، خلا حزب شيعي صغير في عديده، كبير في مواقفه، هو حزب الله الرابض في جنوب لبنان، والذي مد العون لسنة الاخوان في غزة وقدم لهم سبل المقاومة الشريفة ضد إسرائيل، مما كانت سببا لإفتخار أهل السنة كلهم قدر صمودهم امام الكيان الصهيوني، وما برحت تلك الحالة إلا قليلا حتى هبت خيانة الاخوان، فأرتموا باحضان التحالف التركي القطري،فأهينوا وذلوا واصبحوا مشردين بين العواصم لأن تركيا وقطر هما خونة هذه الأمة وأنصار موالين لإسرائيل بشكل علني.
وعلى المثقف السني "أن يفهم ويعي انه لايوجد حاكم مسلم ولا مركز ديني مستقل في قراره إلا الشيعة فقط".
وعلى المثقف السني مسؤولية تاريخية كبيرة وهي أن يساهم في فصل الأوراق من حالة الخلط المفبركة واعادة الأشياء إلى اصولها والأسماء إلى مسمياتها.
عليه أن يوضح أن داعش والقاعدة هم ليسوا من أهل السنة، هم أعداء حقيقيون لهم ولنا جميعا كعراقيين وعرب ومسلمين، كعدائهم للانسانية جمعاء وللأديان وللمذاهب والشيعة خاصة وأن لادين لهم ولا مذهب، وأن الأموال التي تجمع للقاعدة وداعش من أهل السنة في الموصل والرمادي وفي مناطق أخرى عنوة ستنقلب عليهم إلى أموال سحت تساهم في قتل الأبرياء وقتل الناس جميعا بنص القرآن الكريم، وتكون لهم سببا في دخول النار وإبعادهم عن الجنة.
كما لايخفى على المثقف السني، أن القاعدة وداعش ما هم إلا مجموعات إرهابية متخفية في حواضن أهل السنة، تقوم بالقتل والذبح وركل الرؤوس المقطوعة بالارجل تماما ككرة قدم، وتقوم بممارسة السرقات والتسليب، والزنا، وتهريب المخدرات ونكاح النساء بفتوى جهاد النكاح، وقادتها شريحة من بعض ضباط عراقيين سابقين من الحرس الجمهوري والحرس الجمهوري الخاص في نظام صدام الطائفي، ومن شرائح خارجية من تنظيم القاعدة، يأتمرون بأوامر قادة وهميين من داخل الخضراء، لينفقوا على هؤلاء من أموال عراقية سحت مسروقة من الخزينة العراقية بطريقة الفساد والإفساد.
انه ليس من السهل إدراك هذه الأمور بسهولة وكشف الضبابية عن عيون البسطاء من الناس والتي تراكمت عليهم من سنين عجاف، لذلك على المثقف السني أن يتوخى الصبر في إزالة هذا الرين المتراكم، وهي بمثابة رسالة انسانية وفكرية عليه أن يكون جدير بحملها من أجل دفع الشرور عن أبناء جلدته من السنة وبقية مواطنيه من الشيعة وبقية الأديان والمذاهب.
وعليه أن يدرك ويستحضر كافة مقومات إدراك الحس السياسي والوطني والمجتمعي والأخلاقي، وإن يفتق بصيرته لمعرفة الأمور بشكل دقيق واقرب للواقع المفروض، "ولا منجى للمسلم في هذا العالم المليئ بالذئاب والضباع إلا بتنمية الحس الوطني والإنساني".
(وتعاونوا على البر والتقوى، ولاتعاونوا على الاثم والعدوان)
والحمد لله رب العالمين.