فيمكن القول اننا نفتقد مفهوم اسواق العمل والمال والبضاعة، الخ. فهناك ثقافة وقوانين وتعليمات وممارسات جعلت هذه الاسواق محلية وضيقة، ولا تتجاوز في احيان كثيرة المحافظة، ان لم تكن القضاء.
انتقال العمالة والرساميل والبضائع من بلد لاخر، والمبادرة والمنافسة اللتان تلعبان دوراً اساسياً في تطوير النوعية وتقدم التكنولوجيا وضبط الاسعار، هي احدى مكاسب السوق الاوروبية المشتركة، لتبرز ليس فقط كواحدة من اهم الكتل الاقتصادية عالمياً، بل انها سهلت ايضاً عملية الوحدة الاوروبية.. فصار هناك دستور وبرلمان وعملة موحدة (اليورو) ومصرف مركزي وسياسات خارجية مشتركة ونظام جمركي وسمة دخول واحدة (شنغن) لتتجول بين دولها دون حواجز وسيطرات، كما تواجه المواطن العراقي في طول البلاد وعرضها.. صار العلم الاوروبي يوضع بجانب علم كل دولة كدليل لاحترام السيادة الوطنية، المتلازمة بالضرورة بسيادة الاتحاد الاوروبي.
تحت حجج وذرائع (معظمها لا يحقق غرضه) كالامن، والتهريب، وسجلات العربات، والصحة تزداد التعليمات والضوابط لوضع السيطرات والعوائق الادارية المرهقة للناس والممزقة لوحدة الاسواق والبلاد.. والمعطلة لانسابية حركة البضائع والمواطنين. وسرعان ما تتحول الاجراءات الاستثنائية والمؤقتة الى دائمة.. فتراكم الكثير منها مع الحروب والارهاب والفساد وتخلف الادارة. فمنذ ان انتصر مفهوم السيطرة الامنية والسياسية على مفهوم الاقتصاد والاجتماع، بسبب الاموال النفطية السهلة، تراجعت اهمية الزراعة والصناعة والتجارة وغيرها.. وتطور نمط جديد للمفاهيم والعلاقات، نلخصه بانتصار الدولة الريعية.. حيث اصبحنا جميعاً، دولة وشعب، عيال على النفط، نتصارع على التوظف والرواتب والتقاعد والتخصيصات لانها اسهل واجدى من اي جهد اخر. فانتاج يوم واحد من النفط كفيل بسد جميع الاحتياجات التي تبذل الدول والشعوب جهوداً مضنية لتوفيرها. وان هذا التوجه تنامى عبر العقود الطويلة.. فبدل ان نستخدم اموال النفط، التي ستنفذ قريباً لاعادة تصحيح الاقتصاد والاجتماع كما تفعل دول الخليج وايران وغيرها، نرانا نغرق اكثر فاكثر في هذا المسار، دون ان نرى مخاطره واثاره المدمرة.