لم يكن تدمير برجي مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك عبر عمليات انتحارية بواسطة الطائرات عملا ارهابيا عاديا مثله مثل عمليات ارهابية كثيرة شهدها العالم في بقاع مختلفة منه سواء قبل الحادي عشر من ايلو-سبتمبر ٢٠٠١ او بعد ذلك التأريخ.
وكان من الطبيعي جدا ان يدفع ذلك العمل الارهابي غير المسبوق انظمة ودول ومجتمعات الى التأمل طويلا في دلالات ودوافع وخلفيات ما جرى في صبيحة الحادي عشر من ايلول، ومن ثم اثاره وتبعاته واستحقاقاته المعنوية والمادية.
وكان من الطبيعي جدا ان يقول الكثيرون في العالم الغربي وخارجه ان ما حصل لم يأت من فراغ، وانه ربما كان رد فعل اكثر مما هو فعل، مهما كانت فضاعته وبشاعته ودمويته.
ولعل تجارب التأريخ الانساني اثبتت على مر الازمان والعصور ان العنف لا يولد الا العنف، والظلم لابد ان ينعكس اجلا ام عاجلا على اصحابه، وما هو خطأ لايمكن ان ينتهي الى ما هو صحيح، وفق القاعدة التي تقول المقدمات الصحيحة تؤدي الى نتائج صحيحة والعكس صحيح.
واذا كان الجميع يتفقون على ان احداث الحادي عشر من سبتمبر مدانة ومرفوضة بكل المعايير والحسابات، سواء وقعت في الولايات المتحدة الاميركية او في أي بلد اخر، فأنه ينبغي ان يكون هناك اتفاق في الرؤية على ان الاساليب والسياسات والمنهجيات السلبية والخاطئة التي ساهمت برسم ذلك المشهد المروع، كانت تحتاج الى مراجعات واعادة نظر، وبتعبير ادق، تصحيح وتقويم من اجل الحؤول دون تكرار ذلك المشهد المروع في اماكن واوقات اخرى.
ولكن صورة الاحداث والوقائع التي شهدتها العشرة اعوام المنصرمة اوحت –وتوحي-ان مراجعات واعادة نظرة موضوعية لم تحصل، واذا كانت قد حصلت فأنها ظلت محكومة بعقد ونزعات ضيقة، ومواقف مسبقة، وتقييمات انفعالية، واحكام متسرعة.
ولعل الحروب العدوانية والصراعات السياسية والعسكرية في بقاع مختلفة من العالم، والفوضى والارتباك العارمة، لاسيما في العالم الاسلامي، تحت ذريعة ويافطة احداث الحادي عشر من سبتمبر، اثبتت بما لايقبل الشك ولايحتمل اللبس والغموض طغيان النزعات الضيقة، وهيمنة المواقف المسبقة، واستفحال التقييمات الانفعالية.
كان يفترض ان تكون احداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ درسا بليغا للقوى الكبرى المتحكمة بمصائر الكثير من الامم والشعوب في عالم اليوم، وتكون كذلك درسا بليغا لدعاة العنف والارهاب..درسا من شأنه ان يجنب العالم مزيدا من الكووارث والماسي والويلات ويكرس الامن والسلام، ويشيع اجواء التعايش بين الامم والشعوب، ويدفع الانظمة والحكام ومن بأيديهم زمام الامور الى توخي الحكمة والعقلانية في قراراتهم وسياساتهم.
لاتبدو الصورة بعد عشرة اعوام اكثر اشراقا وتفاؤلا.. ان لم يكن العكس.