قال ها هو.. فلم يرَ الملك شيئاً.. فقال الحكيم هذا ثوب عجيب حكته من ضوء القمر وشعاع الشمس، لا يراه كذاب ومنافق وخائف.. فصاح الملك ياله من ثوب عجيب.. وكذلك فعل الوزراء والحاشية خوفاً من بطش الملك وتهمة الكذب والنفاق والخوف. فنزع الملك ملابسه، وتظاهر الحكيم بوضع الثوب عليه.. وانتشر الخبر في المدينة.. وصار الملك يتجول وهو عارٍ تماماً.. والناس يبدون اعجابهم بالثوب العجيب.. فالخوف والبطش والانتقام اعمى عيونهم وقطع السنتهم.. الى ان مر الملك امام طفل صغير لم يتعلم بعد الكذب والنفاق والخوف فصرخ.. الا يستحي الملك من المشي عارياً.. وتشجع اخرون بالهتاف، الذي سرى بسرعة بين الجمهور كله.. فهرب الملك لا يعرف كيف يخفي عورته. انتهت الرواية.
فالحريات العامة ليست فوضى وترف فكري واستعلاء نخبوي. وان قبول المسؤولين للانتقادات، حتى القاسية منها، هو حماية لهم بقدر ما هو حماية للنظام العام ولمصالح الشعب.. وان رعاية مؤسسات التعبير عن الراي وحمايتها هي الوسيلة لمعرفة الحقائق وكشف العيوب قبل ان تتطور الى امراض مزمنة، يصعب علاجها.. ولاشك ان للحريات والانتقادات اثمان لابد ان تدفع.. فهي قد تشجع اجواء التسقيط والتجاوز والاكاذيب.. لكنها كلها اهون من اجواء القمع والصوت الواحد الذي تضيع معه الحقائق.. فهناك الراي الاخر، وقوة الحقيقة، و"قطع الشك باليقين".. وغلبة الضمائر الحية والمسؤولة، بدل المبتدلة والرخيصة.. فالحريات، خصوصاً عندما تجري بشكل مسؤول، وبقضاء عادل، فانها ستربي على الالتزام الذاتي والجماعي وعلى انتشار الاداب العامة والاحترام المتبادل حتى عند الاختلاف.. بعكسه عندما يتسلط الخوف والبطش والانتقام.. وتستخدم ادوات السلطة، للتخلص من المعارضين ولقمع الاراء المخالفة، ويشاع جو من الخوف، واخفاء الحقائق، فاننا نعري انفسنا قبل ان يعرينا غيرنا.