اكدت واثبتت النتائج المحبطة والمخيبة للامال التي خرج بها اجتماع قادة الكتل السياسية المنعقد مساء يوم الثلاثاء الماضي في منزل رئيس الجمهورية الاستاذ جلال الطالباني، ان الصيغ والسياقات المطروحة ذات الطابع الترقيعي والاقصائي والتهميشي والتي تقوم على فرض الامر الواقع لاتجدي نفعا ولايمكن ان تعالج وتحل اية مشكلة مهما كانت صغيرة وثانوية.
الاجتماع الاخير عكس مدى التقاطع والتباعد والتأزم في المواقف بين الفرقاء السياسيين، او بعض الفرقاء السياسيين، ولم يبرز حتى ولو مؤشر واحد على ان الامر تسير بأتجاهات صحيحة تبرر التفاؤل بحصول متغيرات ايجابية على ارض الواقع.
مجرد خروج بعض كبار السياسيين من الاجتماع قبل انتهائه والتحدث بأكثر من اتجاه في المؤتمر الصحفي الذي اعقبه، وتصريحات عدد من السياسيين فيما بعد لوسائل الاعلام وتأكيداتهم بأن الاجتماع كان فاشلا ومخيبا للامال والتوقعات، يعني ان الامور تسير بالاتجاه الخاطيء وان افاق الحل الحقيقي والجذري مازالت غائبة عن المشهد السياسي العراقي، وستبقى غائبة مادامت الاولويات مختلفة من هذا الطرف الى ذاك، وعدم الثقة تخيم على الاجواء السياسية وتصفية الحسابات وتحين الفرص للايقاع بالاخر واسقاطه وتسقيطه هو المنهج المتبع، في ظل غياب التفكير والاهتمام بمعاناة ومشاكل وهموم المواطنين.
وبعد يوم واحد فقط طرح رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي عمار الحكيم رؤية للخروج من الازمة تبدو واقعية ومنطقية الى ابعد الحدود، وقابلة للتطبيق اذا توفرت ارضياتها المناسبة، وانفسهم الساسة والكتل السياسية هم المعنيون بتوفر الارضيات المناسبة.
المباديء الخمسة التي طرحها رئيس المجلس الاعلى في ملتقاه الثقافي الاسبوعي بدت وكأنها تمثل اطارا شاملا للحل ، ومن المفيد هنا ان نشير اليها على نحو الاجمال والاختصار وكما وردت في بعض وسائل الاعلام:
١-ضرورة ان يتركز هدف الاجتماعات واللقاءات بين الكتل السياسية المخلتفة على التوصل الى حلول ومعالجات جذرية وحقيقية والابتعاد عن الاستعراضات والمزايدات الاعلامية والسياسية.
٢-ينبغي ان تكون جميع الاطراف السياسية على استعداد لتقديم التنازلات عن جانب من مطاليبها وشروطها وخفض سقف تلك المطاليب والشروط نزولا عند مصالح ابناء الشعب العراقي، التي هي في الواقع مصالح الجميع دون استثناء.
٣-لابد من ان تساهم الاجتماعات واللقاءات والحوارات بتذويب الخلافات وحلحلة المشاكل والازمات وتفكيكها، لا تأزيمها وتضخيمها، حيث انه لاجدوى منها اذا لم تخرج بحلول مفيدة وواقعية وتنتهي الى نتائج ايجابية.
٤-من المهم جدا ان تكون هناك مرجعية مقبولة ومتفق عليها، والمرجعية في الواقع العراقية تتمثل بالدستور الذي صوت عليه غالبية العراقيين قبل ستة اعوام. ويجب ان يكون السقف والاطار الجامع للحوار بين كل الشركاء السياسيين، وتأتي الحلول من روحه وجوهره، لا ان يقوم البعض بالالتفاف والقفز عليه وتجاوزه لتحقيق الامتيازات والمكاسب على حساب الشركاء الاخرين.
٥-الاتفاقات الثنائية والسرية مصيرها الفشل وتعقيد الامور، ولابد ان تكون جماعية وعلنية، لان الشراكة الوطنية الحقيقية التي تبنات عليها مختلف الاطراف السياسية لايمكن ان تنجح وتتقوى وتتعزز من دون الوضوح والعلنية والتحرك الجماعي والتوافقات المقبولة.
وطالب السيد الحكيم بوضوح وصراحة من القوى والكتل السياسية ابداء موقفها من المباديء التي طرحها، وبالفعل فأنه خلال اليوم او اليومين الاولين بعد طرح المبادرة لاقت ترحيبا كبيرا من كتل رئيسية وشخصيات سياسية مختلفة الاتجاهات، وهذا الترحيب مؤشر ايجابي اولي، لكنه من دون شك غير كاف ويحتاج الى ترجمة عملية وواقعية على الارض تفضي الى عملية اصلاح تبدأ من اعادة وبناء الثقة بين كل الاطراف، كمدخل مهم واساسي لعملية الاصلاح.