أقول، قد يصاب احد بالحيرة والاستغراب حيال ما جرى في الموصل، إذا ما كان هذا الأحد غير معني بسلسلة الاحداث التي سبقته، او غير منشغل فيها، أو غير ذي صلة بالمسؤوليات او المواقع او الادارة القريبة منها، وقد نتوقع ان مثل هذا “الاحد” موجود في العراق، وهو افتراض ضعيف، لكن الأمر الخطير يتمثل في ان مسؤولا على تماس مباشر بادارة الصراع مع الهمجية المسلحة يقف الآن في النقطة الرمادية من استيعاب الحدث الموصلي، ويصر على تجنب المراجعة او الاعتراف بالتقصير او الغيبوبة عن حقائق الارض او في مزاولة اللعبة السمجة في قذف المسؤولية على الاخرين واعفاء النفس مما حل بواحدة من اكبر مدن وحواضر العراق.
ثم.. إذا كان اجتياح الموصل من قبل عصابات داعش هو حلقة من مواجهات سابقة بين القوات الامنية وسكان مدن غرب العراق فمن اين، إذن، جاء الداعشيون بهذا العدد الغفير من المتطوعين الجهلة، المعبئين بالكراهية الطائفية؟ بل ومن اين جاءوا بهذه الشحنات والحافلات والاليات اذا كانت قد سُدت عليهم منافذ الاوكسجين ووسائل الاتصال عبر الحدود؟.
المشكلة، اولا، انه بدلا من التعبئة الوطنية واعداد النفس والقوة والشكيمة من اجل الحاق الهزيمة بالغزاة الكهفيين في الموصل فاننا نرصد هروبا متعمدا، بالصوت والصورة، للطبقة المسؤولة عن ادارة السياسة والحكم في البلاد من خط المواجهة، ومن ملازم القتال الوطني ووجوب الوقوف مع السكان المنكوبين، سبقهم في هذا الهروب جنرالات الادارة العسكرية والامنية حيث استقلوا طائراتهم واختاروا السلامة في الخطوط الخلفية بدلا من القتال، وهو وظيفتهم وموصوفهم وسبب وجودهم في هذا الموقع.
المشكلة، ثانيا، اننا مقبلون على مهزلة اخرى: المهزومون يصبحون ابطالا، بنياشين اضافية، وان علينا ان نلقي عليهم بالورود.
“يكون البشر أقوياء فقط طالما يمثلون فكرة قوية، وتزول قوتهم عندما يعارضونها”.
سيجموند فرويد