إنّ الزّمن الذي نأمل أن يكون مبعثاً للنّجاة و السّعادة هو هذا آلزّمن الذي نهض فيه المسلمون بعد عودة الأسلام من جديد بإنتصار الثورة الأسلامية لإحياء البشريّة, و هذا ما تنبّه له الغربيون و آلشرقيون كما بيّنا في الحلقة السابقة بحسب تقرير وكالة المخابرات الأمريكية, ليتحقّق مصداق ألحديث النبوي الشريف:
[نزل الأسلام غريباً و سيعود غريباً فطوبى للغرباء], بل سبق هذا الحديث نصوص من القرآن الكريم في مجموعة من آلآيات التي بيّنت هذه الحقيقة و منها ما ورد في نهاية سورة محمد(ص), بقوله تعالى:
[ و إن تتولوا يستبدل قوماً غيركم و لا تضروه شيئاً](٢), و قوله تعالى في ثالث آية من سورة الجمعة:
[ و آخرين منهم لما يلحقوا بهم و هو العزيز الحكيم](٣), و كثير من الآيات المترادفة التي فسرها الفريقين بكونها تتعلق بآلدّولة الأسلامية المعاصرة القائمة في إيران بقيادة الولي الفقيه و النائب العام للأمام الحجة(عج) و كتب الصحاح قد اوردت ذلك ايضا!
حيث ثار الشعب الأيراني بسبب الحرائق الكبرى التي ألمّت بها و بآلبشرية من حولها بسبب تسلط الطغاة ليكون قدوة و مناراً للأنسانية و لشعوب الأرض في طريق التحرّر و الخلاص من العبودية و سيطرة الظالمين!
و هذا الزمن ألأخير الذي نعيشه بعد ما جربت البشرية كل انواع الانظمة و الحكم الفاشلة كآخر مرحلة بشرية محروقة للتمهيد عبر ولاية الفقيه إلى ظهور الأمام المهدي(عج), فالدلالات كلّها تؤشر إلى النهاية المحتومة للبشرية, و من هنا إنتبه المستكبرون لدور الدين كمنهج للدّولة الأسلامية المعاصرة العصية, و توصلوا إلى نتيجة هامّة لشل حركة هذه الدولة الاسلامية الوحيدة , و هي: إشغال الكيانات و المذاهب الاسلامية (السنة) مع (الشيعة) والسنة فيما بينها كما الشيعة فيما بينها بحروب داخلية و نزاعات فكرية و عقائدية كي لا ترتاح أو تفكر لتبني بلاد الأسلام خصوصا في العراق و إيران و سوريا و غيرها كمحور للدولة المهدوية العادلة!
و لتبقى دائماً بلداناً فقيرة قلقلة منشغلة بمشاكلها و نزاعاتها غير مستقرة تنقصها كلّ شيئ, ففي مقابلة أجراها الدكتور (مايكل برانت) المساعد السابق لوود و ردز الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية إثر طرده من منصبه لسوء إستخدامه للصلاحيات المخولة له, و ثأراً لنفسه في ذلك عمد برانت إلى كشف بعض الخطط السريّة للسي آي أي, و منها تطرق للخطط التي خصّصوا لها مئات الملايين من الدولارات لتحطيم المذهب الشيعي الجعفري خصوصاً بعد إنتصار الثورة الأسلامية في إيران لذلك و بعد فشل الحروب الخارجية والحصارات عليها جنّدوا الكثير من العملاء و الفضائيات الصفراء في لوس أنجلز و غيرها من المدن لمواجهة الثورة الأسلامية و قيادة ولاية الفقيه بآلذات و من الداخل(٤)!
ألقيادة في الحكومة الأسلاميّة:
تعتبر القيادة بمثابة الرأس من آلجسد .. فإذا صلحت صلح الجسد و إذا فسدت فسد الجسد!
و إن نظريّة القيادة في نظام الدّولة الأسلامية في هذا العصر يترادف مع مصطلح (ولاية الفقيه), لذلك فآلحديث عن أيّ منها يعني الحديث عن آلآخر, لأنّ ولاية الفقيه هي ثمرة الفكر السياسيّ لمدرسة أهل البيت(ع) ألتي هي الأمتداد الطبيقي لمدرسة رسول الله بعينها, حيث طرح علماء الشيعة هذه النظريّة منذ زمن عهد ألامام المعصوم المهدي(ع) و أثناء غيبته عبر التوقيع المشهور, و آلحكومة الأسلامية قائمة اليوم على أرض الواقع و كما وعدنا الباري بذلك و الحمد لله على هذا الأساس بعد إنتصار الثورة الأسلامية المباركة عام ١٩٧٩م ألتي هزّت عروش الطواغيث شرقاً و غرباً.
لا تنحصر نظريّة (ولاية الفقيه) بتأييد مجموعة من علماء الدّين أو برواية أو روايتين و كما يتصوّر بعض المسلمين البسطاء أو المُدّعين للعلم .. و إنّما جميع علماء الشيعة يعتقدون أنّ التّصدي للأمور العامّة للمسلمين بل و للأنسانيّة و آلتصرف في الأمور المتعلقة بآلمعصومين في مجال الأدارة الأجتماعيّة و السياسيّة و آلأقتصاديّة يحتاج إلى إذن الأمام المعصوم(ع) كأصل في الشرعيّة.
إنّ صلاحيّة إصدار الفتوى و إستلام السهمين(الخمس و آلزكاة) و موارد صرفهما(٥) و التّصدي للأمور الحسبية(٦) و ولاية التصرف و القضاء لا تتمّ بدون إذن المعصوم(ع) أو النيابة العامة عنه, بناءاً على هذا؛ تُعتبر مسألة الولاية في زمن الغيبة الكبرى من أهمّ أبحاث المسائل الأسلامية الحية وأهمّ أصل في عالم اليوم!
فما هي حقيقة و تأريخ هذه الولاية؟
تأريخ الحكومة الأسلامية أو (ولاية الفقيه):
تَمَّ طرح هذا الأصل منذ القرن الثالث و الرّابع الهجريّ القمري من قبل الامام المهدي(ع) نقلاً عن الشيخ أبو إسحاق الكليني الذي عاصر السُّفراء من خلال التوقيع المشهور و من ثمّ الشيخ المفيد و السيد المرتضى, و في القرون اللاحقة تمّ طرحه و التأكيد عليه تحت عنوان ولاية الفقهاء من قبل الفقيه (إبن أدريس الحليّ) و (المحقق الكركي) ثمّ (الملا أحمد النراقي) فالعلامة (محمد حسن النجفي)(٧) و غيرهم من القدامى وصولاً للأمام الفقيه الفيلسوف محمد باقر الصدر الذي عاصر الأمام الخميني(قدس) صاحب المشروع العملي لنظام ولاية الفقيه من خلال الدولة الأسلامية المعاصرة اليوم.
ففي المرحلة الراهنة – أيّ خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي - طرح الأمام الخميني(قدس) ولاية الفقيه بشكلٍ مبرهن في مؤلفاته الفقهية العديدة(٨) و كذلك في محاضراته اليومية أثناء قيادته المباشرة للدولة الأسلامية و كذلك من خلال جمع كبير من الفقهاء و المراجع المعاصرين؛ أمثال آية الله العظمى محمود الشاهرودي و آية الله العظمى السيد كاظم الحائري و آية الله الشيخ الآصفي و آية الله السيد محمد باقر الحكيم و أمثالهم من طلبة الأمام الفيلسوف الصّدر الأول الذي آمن قبلهم بولاية الفقيه قلباً و قالباً حتى إستشهد و أختهُ العلوية الطاهرة في سبيلها على يد الطغمة البعثية الفاسدة, ينضم إلى هذا الفريق المعاصر فريق آخر من كبار فقهاء و مجتهدي الحوزة العلمية في قم و طلبة الأمام الخميني(قدس) من أمثال الشيخ المنتظري و الشيخ المطهري و اليزدي و آلرّي شهري و غيرهم .
و بإنتصار الثورة في إيران تحققت هذه النّظرية عملياً, و بعد ٣٥ عاماً من التضحيات و الصمود أصبحت الدولة الأسلاميّة(ولاية الفقيه) من الناحية القانونيّة و السّياسية جزءاً أساسيّاً في البنبة القانونية الموجودة في الدستور الأسلاميّ, و بآلذات في المادة ٥ و المادة ٥٧ و المادة ١٠٩ و آلمادة ١١٠ و كذلك ١١١(٩).
و لكن حدود صلاحيات القائد في دستور الدّولة الأسلاميّة قد أثارت العديد من الشّبهات و الأسئلة خلال الفترة الماضية لدى بعض السّطحين الذين يبدو أنهم لا يُحبون تطبيق مبادئ الاسلام عملياً على ارض الواقع؛ لذا رأينا من الضروري إلقاء الضّوء و التّحقيق في أبعاد هذه المسألة و كذلك عبر المقارنة مع أشهر الأنظمة السياسيّة القائمة اليوم وهو النظام الديمقراطي الذي يتبجح به الغربيون!
نظريات الفلاسفة و الفقهاء بشأن أنظمة الحكم:
دأب الفقهاء و الفلاسفة منذ القدم طرح و دراسة صلاحيّات الحاكم و طبيعة نظام الحكم المطلوب و كذلك شروط القادة و المتصدين, و من أشهر هؤلاء؛ أفلاطون؛ أرسطو؛ هوبز؛ و هيجل؛ فوكوياما؛ إبن رشد؛ المحقق الكركي؛ ألجزيني؛ ألنراقي؛ ألجواهر؛ ألصّدر؛ ألخامنئي؛ و سيدهم الأمام الخميني(قدس), و سنتطرق إلى صلاحيات الحكومات و الحكام في الفكر السياسي الذي طرحه الأمام الخميني بوضوح ي مؤلفاته العديدة و من ثمّ صلاحيات الحكومات في المنهج الأسلاميّ إن شاء الله بعد عرض مقدمة عن آراء الفلاسفة الغربيون.
نظريات الفلاسفة الغربيين:
يعتقد جميع الفلاسفة و حتى الناس العاديّون بأنّ تقدم البشريّة يتحقّق من خلال العلم و المعرفة لوحدها لبناء (الحضارة) الأنسانية!
|و في الحلقة السابقة توصلنا إلى أن نتاج الأزمنة المحروقة و ما تمخضت عنها بسبب إرهاصات النهضة الأوربية خلال القرون الوسطى و بعد سلسلة من التطورات و الأحداث و نظام مراحل البرجوازية و من ثمّ سيطرة اليهود في نهاية المطاف على معظم أموال وبنوك و شركات و منابع القدرة في العالم ضمن مؤسسة رئيسية عُرفتْ بـ (المنظمة الأقتصادية العالمية) التي تسيطر على النظام الأقتصادي العالمي عن طريق الحكومات ألمتنوعة!
و هؤلاء الشياطين العمالقة يعرفون بأنّ عددهم أقلّ من الأقلية في العالم مقابل سبعة مليارات من البشر الذين لو إنتفضوا لحقوقهم المغتصبة في لحظة تأريخية؛ لما أبقوا لهم باقية, لذلك توصّلوا إلى حلّ ذكيّ جدّاً لتكميم الأصوات المليارية يتلخص بوضع برنامج و نظام لأنتخاب الحكومات تحت مظلة (الديمقراطية) كسلطة على الشعب يتمّ عبر الأنتخابات ليوحوا بأنّ النّاس هم الحاكمين و ليس غيرهم, لحماية ممتلكاتهم و شركاتهم و بنوكهم و إستمرار نهبهم و سرقتهم لحقوق الناس بدعوى أن الحكومة منتخبة من قبل الشعب!
من هنا أسميتُ ديمقراطيتهم بـ (آلمستهدفة), وهو تعبير دقيق يناسب ما نحن عليه الآن!
فما هو الفرق بين الديمقراطية الغربية (المستهدفة) و الدّيمقراطية الأسلاميّة (الهادفة)؟
ألدِّيمقراطية ألهادفة و آلدِّيمقراطية ألمُستهدفة!
أستطع الجزم بعدم وجود أيّة فائدة عملية للشعوب من وراء إجراء الأنتخابات الديمقراطية على الطريقة الغربية في بلدان العالم بإستثناء الدّولة الأسلاميّة في إيران و سنُبين سبب ذلك بالدليل الواضح؟
إنّ آلدّيمقراطية الحقيقية الهادفة لا تنحصر بعملية الأقتراع فقط, فآلعملية لا تختصر فقط بمجرّد ضبط و أجراء إنتخابات دورية يشارك فيها بعضاُ من أبناء الشعب المؤهلين(١٠) و كما هو السائد في معظم بلدان العالم؟ فآلفائز هنا هو نفسه السارق ألمُجرّب و الحرامي العتيد ألذي سرق المال العام من قبل و هو العميل الشرعي للمنظمة الأقتصادية العالمية لتأمين تطبيق برامجهم مقابل رواتبهم و حقوقهم و مخصصاتهم العالية التي تختلف عن باقي أبناء الشعب!
ألدّيمقراطية – تعني بكل بساطة (ألأنتخابات) - و لا تداوي جروح العراق أو أي بلد آخر خصوصاً جراح اليتامى والمساكين و المساجين والمظلومين, لأنّ آلديمقراطية الحقيقية ليست مجرّد أدلاء صوت كما فهمها العراقيون و العرب و غيرهم لأنتخاب الأفضل في المظهر و الخطاب .. بل هو قبل كلّ شيئ تعني المساواة و العدالة في الحقوق و آلرواتب و الواجبات و آلأموال و المخصصات!
و إن ديمقراطية تحافظ على إستمرار و نهب الحاكمين و أعضاء البرلمان لأموال و حقوق الناس .. هي نقمة و دكتاتورية و إستغلال و ظلم مبين لعامة الشعب, و الفرق بين النظام الدكتاتوري و النظام الديمقراطي هذا هو أن الأول ينهب و يظلم الناس من خلال سياسة شخص واحد أو حزب واحد أما النظام الديمقراطي فأنه ينهب و يظلم الناس من خلال مجموعات عديدة يتعدى فساد الحزب الواحد .. يعني أنها أسوء من النظام الدكتاتوري بعدة مرات!
لذلك لا فائدة حتى لو أتَتْ بنبيّ للحكم كنائب برلماني أو رئيس مع بقاء الفروق الطبقية و الحقوقية و إختلاف الرّواتب و الامتيازات و المخصصات و التقاعد و غيرها؟
في الغرب و كما أشرنا تحكم (ألمنظمة الأقتصادية العالمية) كولي أعلى لتقرير ألأمور و تحديد أمّهات المناهج و القرارات ألحساسة – خصوصاً المتعلقة بالمسائل الأقتصادية و المالية - تحت عباءة الديمقراطية عن طريق المُمثلين التكنوقراط كغطاء دستوري لأسكات صوت الناس و جعلهم عبيداً يجهلون حقوقهم الطبيعيّة و كرامتهم عبر عزل الدين الذي وحده يقرر ذلك عن السياسة ليعملوا ليل نهار فقط من أجل إملاء بطونهم و تسديد فواتيرهم لمصلحة الشركات الحاكمة التي تعود ملكيتها و فوائدها في النهاية لتلك آلمنظمة الحاكمة المعروفة للخبراء و أهل الرأي!
لذلك فآلدّيمقراطيّة الغربية بتابعيتها لتلك الولاية التي تؤمن بكل شيئ إلا الأخلاق و القيم؛ تعتبر ديمقراطية مستهدفة مائة بآلمائة, و لهذا آلأستهداف قواعد و أسس حديدية دستورية ديكتاتورية منتظمة يستحيل إختراقها أو حتى التأثير عليها, بسبب تسلّط المال و التكنولوجيا مع وجود قوات منظمة من الشرطة و الأمن والمخابرات و الجيش المُدججين بآلسّلاح والتكنولوجيا و آلذين يأتمرون من قبل تلك (آلمجموعة الأقتصادية) ألتي لا يزيد عددهم على ٣٥٠ عضواً رئيساً في العالم و ما الحكومات و الأحزاب العاملة في آلظاهر - بإستثناء إيران - سوى بيادق إداريين لتنفيذ خطط تلك المنظمة, تسير بحسب منهجها و منافعها و الليبراليون و المحافظون عادة ما يتنافسون و يحققون الفوز على أساس مدى إلأخلاص و المنفعة التي تقدمها كلّ طرف منهم لأؤلئك آلحيتان الكبيرة في المنظمة الذين دمّروا العالم و حرقوا البشرية!
و لو إستمر الوضع على هذا المنوال؛ فقد يتمادى الفساد الأستكباري يوماً ليصل حدّاً يتحسّر المواطن معه بعد ما يبيع كرامته؛ على لقمة خبز لأشباع بطنه و حصوله على أبسط مقومات الحياة, تلك هي الديمقراطية المستهدفة التي تختلف عن الدّيمقراطية الهادفة التي تؤكد عليها الدّولة الأسلامية في إيران بقيادة الولي الفقيه ألتي تعتبر كرامة الأنسان و سعادته فوق كل الأعتبارات الأخرى!
فما هي فلسفة الدّيمقراطية الأسلامية الهادفة و غايتها ألتي تختلف عن الدّيمقراطية المستهدفة في أعمق و أحسّ نقطة؟
في إيران – كندٍّ وحيد للغرب المستكبر – يُوجد نظام الولي الفقيه الذي يحكم بشرع الله و أحكام القرآن ألتي تهدف لأستكمال مكارم الأخلاق و العدالة عبر النظام الأسلامي الذي يقرّر القوانين الرئيسة والأهداف المركزية التي تتلخص بآلتوحيد من أجل حياة كريمة عادلة تصان معها الحقوق الأنسانية, و الدّيمقراطية التي تجري فيها مكملة لترسيخ التوحيد و تطبيق العدالة و آلمساواة بين الناس و تحقيق أمن الناس الأقتصادي و السياسي و التعليمي و آلصحي عبر إنتخاب الأفضل القادر على تطبيق و تحقيق تلك الأهداف الالهية العليا المركزية!
من هنا كانت الديمقراطية الأسلاميّة ألتي تعادي الديمقراطية الغربية؛ هادفة و ليست مستهدفة كما بيّنا في واقع المجتمع الغربيّ, حيث لا يتقاضى مثلاً المسؤوليين و آلوزراء في النظام و أعضاء مجلس الشورى الأسلامي سوى رواتب عاديّة تتقارب و ربّما تقل عن معدل الرّواتب بآلقياس مع باقي الدّرجات الوظيفية في دوائر الدولة الأخرى هذا كمؤشر أوليّ .. بل إن (الولي الفقيه) نفسه و هي أعلى سلطة في النظام الأسلامي لا يستفيد إلا بقدر ما يصرف في معيشته العادية البسيطة كأي مواطن فقير في الدّولة الأسلامية!
فآلهدف في النّظام الأسلاميّ – نظام ولاية الفقيه - هو تحقيق الأمان و العدل و المساواة بين الناس و حفظ كرامتهم للوصول إلى السّعادة و المحبة و آلرّفاه الذي رسم طريقه الباري تعالى للعباد.
أمّا الهدف في النظام الغربي فهو تحقيق الأمان و الربح العادل لأعضاء ألمنظمة الأقتصاديّة عبر تقسيم خيرات البلد و منابع العالم الرئيسية على حساب و مصالح الناس وتطلعاتهم حيث أن الناس لا يملكون في الحقيقة أيّة أموال أو عقارات حقيقية حتى في داخل الدول الغربية نفسها و أنما تنسب لهم بشكل إعتباريّ عبر كارتات و سندات الأعتبار ألتي تعطيها البنوك للمساهمين و لا يستفيد المواطن حتى الغني منهم إلا بقدر ما يأكل و يصرف يومياً بجانب الدفع المنظم للضرائب الكبيرة و آلفوائد ألتي تكسر الظهر و يعجز عادةً الكثير من المواطنين الغربين الفقراء من دفعها, لذلك و بحسب الأحصائيات الرّسمية أصبح أكثر من ٩٥% من الكنديين مثلاً مدينين للشركات والبنوك التي تملكها المنظمة الأقتصادية العالمية, بينما كندا تعتبر الدولة الثانية بعد سويسرا من ناحية المستوى المعيشي في الغرب!
و ما يجري في الدول العربية و الأسلامية الأخرى كالعراق فهو الأمرّ الأظلم؛ من حيث لا طبقة رأسمالية حاكمة و لا ولاية فقيه ولا عبر المنظمة الأقتصادية العالمية مباشرةً لتحقيق الحد الأدنى على الأقل للمواطنين و لا فقيه حاكم بأمر الله أو مرجعية دينية نظيفة مخلصة تسعى لمصلحة الناس, إنّما الحاكمين عبارة عن منظمات و ميلشيات و أحزاب و عشائر همّها درّ الأموال و الرّواتب عبر جميع الأساليب الممكنة, و نيل المناصب بأي طريق أو وسيلة كانت, و الأهم الاهم من كلّ ذلك شيوع حكومة الأعراف السياسية الحاكمة؛ حيث أن رئيس الجمهورية للأكراد و النواب للسنة و الوزراء للشيعة!
لهذا سيستمر الأرهاب و القتل والذبح و المفخخات و الأقصاء و المحسوبية و آلمنسوبية و الأستغلال والظلم والفرق في الرّواتب و المخصصات كما يعرفها الجميع, خصوصا من المدعين للدّين و العدالة و الوطنية, و كما أثبتتْ السنوات العشر العجاف الماضية, و قبلها نظام دكتاتوري شمولي لم يشهد له التأريخ الحديث, و لا ننسى بأنّ نظام البعث بقيادة المجرم صدام كان له الدور الأكبر في تغيير آلأخلاق العراقية و فساد العقيدة و الوطنية في وجود العراقيين حتى تحققت حالة المسخ في آلشخصية العراقية التي صارت تفهم الديمقراطية كسلم للصعود من أجل الرواتب و الفخخة و الحمايات و التظاهر و الرقص على جروح الفقراء أقلها عبر الرواتب الشهرية التي يعادل راتب عضو البرلمان او المسؤول الحكومي ٢٠٠ مرة راتب عائلة فقيرة و قس على ذلك مقدار الظلم الواقع!
فأية إنتخابات و أيّة قرارات و أيّ مستقبل مع هذا الوضع يمكنه أنقاذ الناس؟
و آلأمرّ ألأمرّ من كلّ ما ذكرنا هو؛ أنّ كلّ جهة تعادي الجهة الأخرى.. بل كلّ جهة تعادي نفسها بنفسها و ذويها و خطوطها و حتى مذهبها الواحد بسبب تسطح الوعي و إنحدار الثقافة العراقية للحضيض!
و الأمرّ ألأمرّ ألأمرّ من كلّ ما سبق هو: أن الطابع العشائري الجاهلي رجع تماماً كما كان في عهد الجاهلية الاولى ليكون هو الحاكم في تقرير الأمور و فصل القضايا على أرض الواقع بدل الأسلام و العدالة العلوية!
هذا هو بيت القصيد في ماهية الديمقراطية الأسلامية في مقابل الديمقراطية الغربية, و من هنا يصح القول بأنّه كلّما توسعت صلاحيات الفقيه الولي المتصدي لشؤون الأمة في المجتمع الأسلامي يكون أمرا مفيداً للغاية للتمهيد السريع لظهور الأمام ألحجّة(عج) لأقامة الدولة العالمية العادلة ليتحقق الزمن الموعود و نتخلص من الحرائق و تكرار الأزمنة البشرية المحروقة, بعكس النظام الديمقراطي الغربي الذي كلما أمتد مساحة التسلط عند المجموعة الأقتصادية ؛ كلّما توسع مساحة الفساد و النّهب و الظلم!
لماذا أعطى الأسلام الصلاحيات المطلقة للولي الفقيه في زمن غيبة المعصوم(ع)!؟
يجوز بل يوجب فقه الشيعة الأثناعشرية بعد الغيبة الكبرى إقامة الدولة الأسلامية بقيادة الولي الفقيه, بل تعتبر خطوة متقدمة و إنتصار كبير في مسار الرّسالات السّماوية ألتي فشلت في إقامة و إدامة الحكم الأسلامي, و لهذا تتابعت الأزمنة المحروقة على البشرية, و قدْ عبّر عنهُ فقيه الفقهاء و فيلسوف الفلاسفة ألأمام ألصّدر الأوّل بمقولةٍ بليغة وأصفاً نجاح الثورة الأسلامية المعاصرة بآلقول:
[لقد حقّقت الثورة الأسلامية آمال جميع الأنبياء و المرسلين]!
و تستند نظرية ولاية الفقيه إلى الأدلة النقلية التي وصلت من المعصومين بجانب الأدلة العقلية معاً, ممّا لا يترك مجالاً للشك في وجوب قيامها, و على هذا الأساس يمكن للفقهاء العدول في زمن غيبة الأمام المعصوم أن يحملوا على عاتقهم قيادة المجتمع الأسلامي بل و آلأنساني, عبر ولاية أمور عموم الناس و يتمتعون بنفس ولاية المعصوم عليه السلام.
يعتقد المجتهدون بأنّ نظرية ولاية الفقيه المطلقة لا تعني حكومة الأرادة المحضة للفقيه, بل المقصود هو قيادة المسلمين من قبل الولي الفقيه على صعيد الجوانب الدينية و السياسية و الأجتماعية و غيرها من أمور الأمة الأسلامية – الأنسانية ضمن إطار العدل و القوانين الأسلامية.
هذه الجوانب حيث أنها مطلقة و غير منحصرة بجانب معيّن يطلق عليها صلاحيات أو ولاية مطلقة .. في آلواقع تمنع العدالة و آلتقوى و آلأحكام ألألهية الوليّ الفقيه من آلتسلط و آلأستبداد أو الديكتاتورية(١١).
حيث يتطلب التصدي لولاية أمور المسلمين عبر ولاية الفقيه ألمطلقة إلى العلم و التخصص في الدين و آلأحكام الأسلامية بجانب معرفة الزمان و المكان, فبدون العلم و المعرفة التامة بآلأحكام و تفسير القرآن و معرفة الزمان و المكان بجانب الخصوصيات الفردية كآلشجاعة و الجرأة و التقوى و حسن الأدارة و غيرها لا يستطيع المتصدي لزعامة الأمة و الأنسانية من تحقيق العدالة في المجتمع.
ألقيادة آلأسلاميّة في المدارس الأسلامية الأخرى:
مسألة القيادة العادلة على المسلمين طرحت منذ زمن بعيد في المدارس الفكرية السياسيّة الأسلاميّة الأخرى, و نشير بهذا الصدد إلى بعض آلآراء و منها؛ آراء أبو نصر الفارابي(١٢) الفيلسوف الأسلامي المعروف في القرن الرابع الهجري, حيث يعتبر القيادة و الحكومة المثالية(المدينة الفاضلة) متعلقة بآلشخص الذي يتمتع بصفات خاصة, مثل؛ الحكمة؛ العلم بآلشرائع و السنة و العترة؛ قدرة الأستنباط؛ الفراسة و حسن التدبير؛ البلاغة و قدرة الأرشاد؛ الشجاعة و السلامة البدنية(١٣).
و الشخصية البارزة الثانية التي لها نظريات في هذا المجال هو إبن رشد الذي عاش في القرن السادس الهجري, يعتبر أيضاً أن الصلاحيات المطلقة لقيادة المجتمع الأسلامي تتعلق بآلشخص الذي يتحلّى بآلكمالات النظرية و العملية, حيث يعتقد بإمكانية تقسيم الفضائل و الكمالات إلى أربعة أقسام؛ الفضائل
العلمية و النظرية؛ الفنون؛ ألصناعات؛ ألأرادة, و جميع الفضائل المذكورة يحب أن تكون في خدمة الفضائل النظرية أي(الفلسفة و الحكمة), و لإستحالة إجتماع جميع الفضائل في شخص واحد, فآلأفضل أن يتخصص كل شخص في إحدى الكمالات المذكورة, عبر إدارة كلية من قبل قادة حكماء عن طريق الشورى و بواسطة حكومة يترأسها الفيلسوف الحكيم.
في هذه الصورة ستكون مدى الغفلة و الأنحرافات البشرية بين الفلاسفة و آلمفكريين و القادة الحكماء أقل بكثير من سائر القادة آلآخرين, و بذلك نتجنب خطر الوقوع في الحرص على المصالح الشخصية و آلأستبداد و إتباع النزوات الخاصة التي يبتلى بها عادة الحكام و الرؤوساء, و سوف يصل الحد الأدنى مع وجود الحكماء و الفلاسفة, لأن العلم و الحكمة و الدعوة إلى العدالة ستصبح حاجزاً أصلياً أمام المصالح الشخصية و آلأستبداد(١٤).
يستدل على نظرية ولاية الفقيه(الحكومة الأسلامية) من خلال ألجوانب ألأساسيّة التالية:
- نظرية ولاية الفقيه ترتبط بأصول الفكر ألأسلامي.
- نظرية سياسية في نظام الدولة الاسلامية المعاصرة.
- نظرية عقليّة تفرضها الحياة الأنسانيّة المعاصرة التي تتعرض للاحتراق بسبب المنظمة الأقتصادية.-
- نظرية تستمد شرعيّتها من العقل و النقل, و سنسلط الضوء على كلّ جانب منها إن شاء الله.
رغم إني طرحت أبعاد ولاية الفقيه (الحكومة الاسلامية) في أكثر من مبحث سابق(١٥), لكني سأضيف هنا بعض الأشارات التأريخية الهامة و القضايا التي لم أذكرها في المباحث الماضية بشكل مقتضب و مفيد.
يرجع أصل نظرية ولاية الفقيه إلى القرآن الكريم, من خلال عشرات السور, بل لا أجانب الحقيقة لو قلت من خلال معظم آيات القرآن الكريم , فيما لو آمنا بأن الله تعالى يريد إحقاق العدل بين البشرية عن طريق التوحيد بتطبيق تعاليم القرآن و السُّنة و التطبيق لا يكون بشكل مثاليّ و تامّ إلا من خلال حكومة مركزية تأمر بآلمعروف و تنهى عن المنكر!
و كذلك يرجع أصل ولاية الفقيه إلى السنة النبوية التي أوصت بآلخلافة إلى إثنا عشر إماماً من بعد الرسول(ص) آخرهم الأمام المهدي(عج) الذي حُجب عن أنظار العالمين لضرروات كونية و سنن ربانية تحتاج إلى إمتداد زمني مُعيّن كي تكتمل الشروط و آلمتطلبات لتتهيئ الظروف المناسبة للظهور الكبير لتأسيس الدولة الاسلامية العالمية التي وعدنا بها الله تعالى يوم خلق آدم (ع), و في زمن الغيبة هذه التي نعيشها و التي بدأت منذ القرن الرابع الهجري – أيّ قبل أكثر من ألف سنة – جُعلت إمامة الأمّة للولي الفقيه العادل الصائن لدينه المخالف لهواه كأصول أساسية ثابتة تنفي صفات التفرد بآلحكم و الدّكتاتورية و الظلم و كما جاء في ألأحاديث المتواترة, كما أنّ (ولاية الفقيه) طُرِحَتْ عمليّاً و على أرض الواقع بآلذّات في الفترة التي إنطلق فيها ملوك آل بويه(١٦) بإسم التشيع لنظام سياسيّ, حيث إمتدت ولايتهم حتى مركز الحكومة الأسلامية في بغداد, بعد ما كانت مجرّد نظرية يتناقلها العلماء و المفكرين جيلاً بعد جيل منذ القرن الرابع الهجري, أيّ بعد الغيبة الكبرى مباشرةً كما أسلفنا.
أدلّة ولاية الفقيه:
غالط بعض فقهاء الشيعة أنفسهم لأسباب ذاتية موضوع ولاية الفقيه كأصل في الفكر الاسلامي خصوصاً اؤلئك "التقليديون" الذين فاتهم قطار الثورة الأسلاميّة و التامل الدقيق في ابعاد و روح النصوص الاسلامية ليبقوا على ما كانوا عليه في دائرة فقهية مغلقة متحجرة لا تخدم سوى مصالحهم الشخصية و العائلية الضيقة و كأنهم يعيشون مع الموتى بحسب تعبير الأمام الصدر الأول(١٧) رغم تغيير المعادلات و آلأتجاهات المحلية و الدولية و حتى العالمية شرقاً و غرباً بسبب إمتدادات تلك الثورة العملاقة التي لا تشبهها ثورة في العالم و ثقلها و تأثيراتها على جميع الأصعدة, ليستمروا على نمطهم القديم جهلاً أو تجاهلاً , و قد طرح مؤيدوا ولاية الفقيه في آلشؤون السياسية و ألأجتماعية و آلأدارية و العلمية ألأدلة ألشّرعية التالية:
* فآلشيخ المفيد في كتابه (المقنعة) يعتبر التصدي للحكومة منحصراً في الفقهاء لأنهم أهل الحقّ العدول و أصحاب الرأي السديد و آلعقل و الفضل, حيث يعتقد هذا العالم الكبير و المعروف الذي عاصر سفراء الأمام المهدي(ع) بأن مسؤولية الحكومة تقع على عاتق العلماء الذين يستوفون شروطاً مثل العدالة و الكفاية و العقل و حسن التدبير(١٨).
لقد حدّد هذا الفقيه الكبير الذي يُعتبر مؤلفاته بمثابتة موسوعة للفكر الشيعي الأثناعشري؛ مجموعة من النقاط الهامة بشأن الحكومة الأسلامية في زمن الغيبة يرجى الأنتباه لها خصوصاً المؤمنون التقليديون؛
١- يجب إدارة الحكومة الأسلامية في زمن غيبة الأمام المعصوم(ع) من قبل أشخاص عالمين بآلأحكام الأسلامية و الفقه الأسلامي.
٢- يجب أن يتّصف المتصدي لأمور المسلمين بآلأضافة إلى الأحكام الفقهية العبادية بصفة ألعدالة و آلكفاية و حسن التدبير و آلفضل أيضاً.
٣- ولاية الفقيه الجامع للشرائط, مثل ولاية المعصوم ولاية مطلقة في جميع الأمور؛ السياسية و آلأجتماعية و ليست على جزء أو قسمٍ من هذه الأمور(١٩), بتعبير آخر يعني: (كل ما للأمام المعصوم من ولايات في المجتمع تنتقل إلى الفقيه أيضاً).
* أما العالم الكبير الثاني الذي طرح (ولاية الفقيه) فهو العلامة محمد بن أدريس الحليّ في القرن السادس, حيث طرح آراءهُ و نظرياته حول ولاية الفقيه في كتاب السرائر(٢٠), هذا الفقيه الكبير الشيعي يُحرّم عدول المسلمين جميعاً عن أوامر الولي الفقيه المتصدي لأمور المسلمين, و لا يُجيز تجاوز الولي المتصدي لأمور المسلمين بأي حال من الأحوال!
كما يرى من جهة أخرى بأن هناك شروطاً ضروريّةً تُحتم التصدي لأمور المسلمين من قبل الولي الفقيه ألذي يجب أن يتصفب بمواصفات خاصّة, مثل العقل؛ العلم؛ ألأجتهاد؛ حسن الرأي؛ ألتدبير؛ ألحزم؛ ألبصيرة؛ ألمعرفة فيما يتعلق بمواضيع إصدار الفتاوى ألمتعددة و العدالة و يرى بأن إستيفاء تلك الشروط واجب من أجل الولاية على المسلمين.
من خلال المقارنة بين آراء ألعلامة الحليّ و آلشيخ المفيد يمكننا التميز بوضوح بين الأثنين من حيث شرائط الولي الفقيه بكون هذه الشروط مضاعفة و دقيقة أكثر في رؤية إبن أدريس الحلي بآلقياس مع شروط الشيخ المفيد.
* أما العالم الثالث الكبير الذي طرح ولاية الفقيه بشكل أكمل ممّن سبقه فهو عليّ بن الحسين الكركي ألمُلقب بآلمُحقق الكركي(المحقق الثاني) و هو أحد فقهاء العهد الصفوي المشهورين, و آلذي دافع بقوة عن نظرية (ولاية الفقيه) بآلأستناد إلى الشواهد النقلية مثل أحاديث الأئمة المعصومين(ع), حيث إعتقد بأن ولاية الفقهاء العدول الجامعين للشرائط في زمن غيبة الأمام المعصوم هي بمثابة نيابة عن الأمام(ع), و يعتقد بأن إطاعة ألمسلمين لولاية الفقهاء هي بمثابة إطاعة أوامر المعصوم(ع) و تخطيها يعتبر تخطياً لأحكام و أوامر الأمام المعصوم(ع)(٢١).
* أما العالم ألرّابع الكبير من القُدماء الذين تطرقوا لولاية الفقيه أيضاً و وجوب إطاعته فهو الملا أحمد ألنّراقي أحد علماء القرن الثالث عشر, فهو من أوائل الفقهاء الذين سعوا و بآلأستناد على أدلة عقلية للدفاع عن نظرية ولاية الفقيه بآلأضافة إلى الأدلة النقلية و الأحاديث الشريفة العديدة بهذا الخصوص.
ففي كتاب(عوائد الأيام)(٢٢) يستدل الشيخ النراقي نقلياً و عقلياً على هذه الولاية, و يرى وجوب تنظيم أمور المسلمين و إدارة حياة الناس يقتضي إيجاد حكومة إسلامية, تُدار من قبل الفقهاء الجامعين للشرائط(٢٣).
يعتقد هذا العالم القدير المعروف في جميع الأوساط؛ أن صلاحيات الولي الفقيه تشابه صلاحيات الأمام المعصوم(ع) الذي أذنَ للفقهاء بتنفيذ الأوامر الألهية و إدارة الحكومة الأسلامية من قبل الأمام المعصوم(ع), كذلك من الناحية الفقهية يرى هذا الفقيه العظيم بأن الولاية العامة لجميع الفقهاء الجامعين للشرائط تكون شرعية في إدارة الحكومة الأسلامية عن طريق إذن المعصوم و أجازته(٢٤).
* أمّا ألعَلَمُ ألخامس في تأريخ الشيعة الأمامية الذي طرح (ولاية الفقيه) فهو العلامة الكبير صاحب الجواهر(٢٥), حيث يعتبر هذا العالم الشيعي المعروف أيضاً بأنّ (ولاية الفقيه) مثل ولاية الأمام المعصوم(ع) على المسلمين, و يستدل بأنّه؛ لو لم تكن الولاية العامة للفقيه في زمن غيبة الأمام المعصوم(ع) و لم يتول أيّ شخص من التابعين إدارة أمور المسلمين, فأنّ الكثير من أمور الشيعة و إتّباع ذلك الأمام سوف تتعطل(٢٦).
بل يرى هذا المُحقق المجدد الكبير في معرض دفاعه عن ولاية الفقيه و ضرورة قبولها؛ (بأنّ أيّ شخص لم يقبل بولاية الفقيه فهو في الحقيقة لم يذق طعم الفقه) بحسب تعبيره الدقيق.
* ألشّخصيّة العظيمة الأخرى التي عاصرناها و هو الأمام الفقيه الفيلسوف محمد باقر الصدر(قدس) الذي يُعتبر فخر الحوزة العلمية و إستثناءاً من بين جميع فقهاء العصر في نبوغه و نظرياته العلمية و مواقفه و أخلاصه لدين الله, خصوصاً بآلنسبة لولاية الفقيه, حيث إختصر موضوع تصدي (الولي الفقيه) زمن الغيبة ا لكبرى لقيادة ألحكومة في الدّولة الأسلاميّة المعاصرة بمثابة إلأنتصار الكبير لجميع رسالات السّماء, حيث قال بآلنّص: [إن الثورة الأسلامية في إيران بقيادة الولي الفقيه قد حقّقتْ آمال جميع الأنبياء و المرسلين]! و لعمري لم أسمع وصفاً بليغاً و هاماً و شاملاً و دقيقاً كهذا الوصف لولاية الفقيه و أهميتها إطلاقاً!
* يضاف لكل تلك الآراء السّديدة الآنفة آراء عشرات المجتهدين و الفقهاء المعاصرين من أمثال آية الله العظمى السيد محمود الهاشمي الشاهرودي الذي إعتبر نفسه رغم مكانته العلمية التي لا يصلها أي من مراجع العصر الحاليين؛ إعتبر نفسه جندياً في هذا الدولة الأسلامية تحت ظل ولاية الفقيه, و قد ترأس ولاية القضاء الأعلى على مدى عشرة سنوات.
* و كذلك آية الله السيد كاظم الحائري الذي يعتبر من مفاخر المجتهدين و من آلطلاب البارزين للأمام الصدر الأول, حيث إعتبر ولاية الفقيه خلاصة للفكر الشيعي الأمامي و تمثل لوحدها النيابة العامة للأمام المهدي(عج), علماً أنه عضو هام في مجلس الخبراء في الدولة الأسلامية.
و غيرهم من الفقهاء و الأفاضل و المراجع العظام الذين فهموا روح الأسلام بتأيدهم لولاية الفقيه بإعتباره الحصن الذي يحفظ الأسلام و المسلمين و بدونه تتعرض الأمة الأسلامية لسيطرة المستكبرين كنتيجة حتمية و كما حصل على مدى القرون.
ألعجيب بعد كلّ هذا أنّ بعض الناس يُشكّكون في مسألة الحكومة الأسلاميّة - أيّ ولاية الفقيه - و يوعزون ذلك إلى عدم وجود الرّوابات بشأنها, و الحقيقة يأتي هذا الأنكار لجهلهم الواضح بالتأريخ الأسلامي و روح الفكر الأسلامي و مفاهيم القرآن و أحاديث المعصومين المتواترة و آلفهم الدقيق و الواعي للنصوص القرآنية طبقاً لمدرسة أهل البيت(ع), بل إنّ الشّخص الذي لا يفهم أهميّة و دور و مكانة (ولاية الفقيه) من حديث الأمام المعصوم(ع) – كحديث التوقيع المشهور و حديث أبي خديجة و غيرهما – و من القرآن أيضاً؛ هو شّخص لم يفهم روح الاسلام و غاية الرسالة الأسلامية و لم يذق طعم الفقه و لو بمقدار ضئيل و صغير جدّاً و لم يفهم عمق بيان المعصومين و أقوالهم(٢٧) لأن كلام المعصومين له ظاهر و باطن كما القرآن, بل أقول إن آلشخص الذي لا يؤمن بولاية الفقيه لا يهمه مصير الأسلام و المسلمين و تطبيق الأحكام الأسلامية على ارض الواقع و إن تظاهر بذلك!
و أقول كإستنتاج واضح, بأنّ الذي لا يؤمن بولاية الفقيه لم يفهم فلسفة الحياة الأنسانية كلّها و الغاية من هذا الوجود و آلسير التكاملي للبشرية على الأرض!
و النتيجة النهائية من خلال دراسة النظريات الفقهية للعلماء و المحققين القدامى الذين ذكرنا أهمّهم و كذلك آلمُحدثين و المعاصرين حول (ولاية الفقيه) و صلاحياته في زعامة ألحكومة و الولاية على المسلمين؛ نستنتج ما يلي:
أولاً: تكون شرعية و ولاية الفقيه المتصدي للحكومة الأسلاميّة بإذن المعصوم بحسب عشرات الرّوابات التي وقفنا عليها, بجانب نصوص الآيات القرآنية التي تحث على إقامة حدود الأسلام و التحكم بها.
ثانياً: من أهم أهداف ولاية الفقيه هو التصدي لمسألة الولاية على الأمور العامة للمسلمين و تنظيمها لكي لا تتعطل أمورهم و أمور أتباع الأئمة المعصومين(ع).
ثالثاً: إن ولاية الفقيه و صلاحيات الولي الفقيه هي عين ولاية المعصوم على المسلمين, و بإحرازهم لشروط الولاية فإن لهم صلاحيات حكومية كآلمعصوم و يستطيعوا أن يكونوا حكّاماً و قُضاةً و حججاً و نواباً للمعصوم على الناس من خلال الولي الفقيه, و تلك الصلاحيات مطلقة بشكل كامل في جميع الأمور.
رابعاً: إن تصدي (ولاية الفقيه) لأمور العباد عبر الحكومة الأسلامية يعني تفويت الفرصة على المنافقين و الظالمين و المستكبرين للتسلط على مقدرات الأمة لإذلالها و تسخيرها لمصالح الطبقة المستفيدة في المنظمة الأقتصادية العالمية.
خامساً: لا يجوز لأيّ فقيه آخر خارج دائرة ولاية الفقيه أنْ يفتي بحكم يخالف ألأصول الحكومية القائمة لولاية الفقيه, لأنّ حدوث ذلك يعني كارثة في آلنّظام ألأسلاميّ و في أوساط المسلمين و بآلأخصّ ألشّيعة و الموالين المرتبطين بآلمذهب, بمعنى على جميع المجتهدين إطاعة أوامر ألوليّ الفقيه و لا يجوز بأيّ حال من آلأحوال التعارض مع نهج الحكومة الأسلاميّة, فذلك يعني مخالفة نهج الأمام المعصوم(ع) الذي أوصى في الحديث المشهور بوجوب إتباع [من كان من الفقهاء صائناً لنفسه محافظاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فعلى العوام أن يقلدوه!
حيث أستثنى و أجاز الأمام المهديّ(عج) و كما هو واضح في الحديث أعلاه فقيهاً واحداً للتصدي لأمور المسلمين كواجب كفائي من بين مجموعة الفقهاء و المجتهدين الأحياء المتواجدين في الزمان الواحد لأقامة الحدود الألهية من خلال الحكومة الأسلامية!
و يعني هذا من جهة أخرى بُطلان و فشل نظريّة (شورى الفقهاء) كقيادة بديلة عن قيادة الولي الفقيه التي أكّدها عملياً واقع تجربة ثورة المشروطة التي إنطلقت بداية القرن الماضي عام ١٩٠٦م حيث كانت المرجعية الدينية منقسمة في وقتها بين مجموعة من المراجع كما كان الحال قبل إنتصار الثورة الأسلامية, كالآخوند الخراساني في النجف و السيد فضل الله النوري و آلشيخ آليزدي في قم و آخرين في مشهد المقدسة و غيرهم من المراجع المجتهدين ممّا سبّب تفريق كلمة المسلمين و تشتيت طاقتها, حيث أدّتْ تلك النّظرية إلى تشتيت قوى آلأمة إلى مجموعات و بآلتّالي تحطيمها و سيطرة الظالمين عليها مرة أخرى(٢٨), لأن كلّ فقيه كان يدعي الأعلمية و المرجعية لنفسه و يفتي بما يراه مناسباً بحسب نظره بشأن الأحداث و الوقائع في وقتها و لذلك تضاربت آرائها و فتاواها فيما بينها ففشلت ثورة المشروطة بآلكامل و تسلط الشاه على الأمة من جديد بسبب (شورى الفقهاء ألمراجع) التي كانت تتحمل و تدير قيادة الأمة في وقتها ممّا سبّبت في النتيجة تضارباً في الآجتهادات و هدر دماء الكثير من الشهداء و حتى العلماء من أمثال الشهيد فضل الله النوري الذي أوجب و بخلاف آخرين من المراجع بأن تكون المشروطة مشروعة, أيّ حذف سلطة الشاه الفعلية, بخلاف رأي المرجع اليزدي ألذي كان يرى وجود نظام الشاه بجانب مجلس الشورى مشروعاً, هذا بجانب مراجع آخرين كانوا مُحايدين بين الجانبين.
من هنا ثبت لدينا عمليّاً بأنّ زعامة الأمة لا بُدّ و أن تكون لفقيه واحد جامع للشرائط, و هذا ما أكّد عليه جمعٌ كبيرٌ من فقهاء الأماميّة قديماً و حديثاً و كما بيّنا و عدم جواز تصدي زعامة الأمة من قبل مجموعة من المراجع و الفقهاء خصوصاً في آلأحكام الخلافية في السّياسة و الأجتماع و الأقتصاد و الأدارة و قضايا الجيش و التربية و غيرها من شؤون الحكومة و إدارة المجتمع و قيادة العالم الأنسانيّ برمته.
في آلحلقة ألقادمة سنتطرّق إلى آراء آلامام ألخميني (قدس) بشأن ولاية الفقيه لأهميتها الكبيرة بإعتباره المصلح الكبير الذي أحيا الأسلام من جديد بشكل عمليّ و لا حول و لا قوة إلا بآلله العلي العظيم.
عزيز الخزرجي
(١) سورة البقرة / آية ٣٠, حيث جاءت العبارة في نهاية الآية (...أني أعلم ما لا تعلمون) كجواب على إحتجاج الملائكة على خلق الله مجدّداً لأنسان جديد ظالم جاهل سّفاح!
(٢٨) ناقشت أصل نظرية (شورى المراجع الفقهاء) مع السيد جعفر الشيرازي الذى كان متصدياً لأدارة الحوزة الشيرازية في الشّام خلال تسعينات القرن الماضي في مدينة الزينبية, و كنت في وقتها عام ١٩٩٤م في سوريا بصدد إكمال بحث هام عن القيادة المرجعية الدينية من خلال لقائي بآلعلماء, و أثبتْتُ فشل تلك النظرية التي كانوا يدعون لها بعد لقاآت عديدة إستمرت لعدة أيام, حيث ألف في وقتها أحد تلامذة السيد محمد الشيرازي كتاباً بعنوان (شورى المراجع الفقهاء) لم يف بآلمطلوب لسطحيته وضعف إستدلالاته, و قد توقف السيد جعفر الشيرازي(رحمه الله) عن إكمال الحوار معنا بعد ما عجز عن جواب سؤآلنا الحساس و المحوري حول كيفية و إمكان رضوخ مجتهد معيّن يتصدى لأمور الأمة ضمن شورى الفقهاء لرأي مجتهد آخر مثله بنفس المستوى, بإعتبار رأي كلّ مجتهد محصّن بذاته, و إن إطاعة رأي المرجع الآخر في قضية خلافية يعني بطلان إجتهاده من آلأساس, لأنّ من شروط المرجع المجتهد هو عدم تقليد أمر أيّ مجتهد آخر!
و قال آلسّيد جعفر الشيرازي(رحمه الله): في الحقيقة لا أعرف جواباً لهذا الأمر, و إنتهى الحوار معه إلى تلك النقطة التي هي بيت القصيد في مسألة تشخيص القيادة المرجعيّة في النظام الأسلاميّ و بآلتالي ثبت لي وجوب حصره في الولي الفقيه كرأس للأمة, علماً أن مجلس الخبراء الذي يضم عشرات المجتهدين و الفقهاء و المراجع يقوم بهذا الدور ضمنيّاً في حلّ القضايا الخلافية بين القوى الثلاث(التشريعية و القضائية و التنفيذية) أو غيرها عند حصول إختلاف في الرأي بشأن المسائل المصيرية العليا, و في حال عدم الوصول للحل الشرعي عندها يتم الرجوع بشكل طبيعي و طبقاً للقانون الأسلامي إلى الفقيه الأعلى المتصدي لأمور المسلمين لحسم الأمور كولي للأمر و صمام امان للحافظ على مسيرة الثورة و الحكومة الأسلامية بسبب المؤآمرات الكبيرة عليها.