فنحن بين ابيض واسود، بلا استمرارية وتواصل بينهما.. ولا وسيلة للحكم او للتغيير سوى القسر والعنف، بدون اية عملية تراكمية تسمح بالحفاظ على المنجزات ومعالجة الانحرافات والاخطاء، في اطار يوحد الجميع.
ومنذ ٢٠٠٥ واقرار الدستور دخلنا في تجربة جديدة تماماً.. فأقرّت الديمقراطية وتداول السلطة وحق المعارضة في اطار القانون.. وبدأنا باولى الممارسات، ولو باشكال جنينية وغير متكاملة كالانتخابات وبناء بعض المؤسسات والهيئات.
النظام لم يتحول لنظام ديمقراطي حقيقي، بل ليس من المنطقي ان يتحول بهذه السرعة.. ففيه اشياء من الممارسات الديمقراطية واشياء من الممارسات الدكتاتورية. وهذه لا تنحصر باساليب عمل السلطة فقط، بل باساليب المعارضين ايضاً.. فالعقل السياسي السابق ما زال قوياً في اوساط النظام والمعارضة، كل من موقعه. فقطاعات واسعة من المعارضة لا ترى نجاحاً لمشروعها الا باسقاط النظام ولو بالسلاح والتحالف مع الارهاب.. بالمقابل ما زال عقل الدولة يدور في غالبيته بمفاهيم السلطة والاجراءات الامنية والاعلامية، وتخوين الاخر وعدم الاعتراف به.. فلا هذا ولا ذاك ادركا اننا امام نوع حقيقي، لكنه هش وجنيني للديمقراطية.. وان الانتفاضات العربية دليل اننا نعيش هذا الانتقال كمرحلة تاريخية، وليس كمجرد احداث عابرة.
هذا الارتباك الذي تمليه المرحلة والذي يصيب جميع القوى، وينتقل الى الجمهور الواسع، يتطلب الاصرار في المضي بالتجربة الديمقراطية واستكمال كامل مؤسساتها ومستلزماتها. بهذا يمكن بناء الدولة القوية والقوى الامنية المقتدرة والتعبئة الجماهيرية الواسعة.. فالديمقراطية لا تعني التسيب واستغلال اجواء الحريات والتغطي بها لتكوين طوابير خامسة.. بل ايمان الشعب والقوى السياسية، رغم اختلاف ميولهم واديانهم ومذاهبهم وقومياتهم، بقدرة نظامهم على حماية امنهم وحقوقهم وحرياتهم ومستقبلهم، بلا تمييز وكراهية. وهو ما سيعزل العنف والارهاب.. ويضمن سياقات تراكمية يتم فيها تداول السلطة بشكل سلمي.. واصلاح الاخطاء والانحرافات عبر تدافعات تنظمها العملية الديمقراطية والدستورية.
الارهاب ليس المعارضة.. وليس النظام.. بل هو وباء قاتل يصيب الجميع.. وينتشر لفساد العقول والاوضاع والتفكك والفوضى.. والديمقراطية سلاح فعال ضده.. ويجب تعزيزها لا اضعافها.